بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وبعد: فإن الإسلام يهدف إلى خلق مجتمع آمن مستقر تسوده المحبة ويجتمع أفراده في التعاون على البر والتقوى، حتى يتمكن الجميع من القيام بواجب الخلافة في الأرض وتحقيق الغاية الأساسية من خلق الإنسان من أجلها وهي عبادة الله تعالى، كما قال تعالى : (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) الذاريات 56. لقد جاءت الشريعة الإسلامية بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنها ترجح خير الخيرين، وتدفع شر الشرين، وتحصل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، وتدفع أعظم المفسدين باحتمال أدناهما. وقد أمر الله تعالى عباده بأن يبذلوا غاية وسعهم في التزام الأصلح فالأصلح ــ واجتناب الأفسد فالأفسد، وهذا هو الأساس الأكبر في التشريع الإسلامي. والعدل ميزان الله في أرضه وضعه للخلق ونصبه للحق فمن خالفه في ميزانه وعارضه في سلطانه فقد عرض دينه للخبال ودولته للزوال وعزه للذل وكثرته للقل. وقيل كل دولة بني أساسها على العدل أمنت الانعدام وسلمت الانهدام. عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوم من إمام عادل خير من عبادة ستين سنة، وحدّ يقام في الأرض أزكى فيها من فطر أربعين يوماً(المعجم الأوسط 8/130 رقم 4765) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "شر الرعاة الحطمة قلت الحطمة من الرعاة هو العنيف برغبة المال فكأنه يحطمها أي يكسرها ويأتي عليها"، وقال عليه الصلاة والسلام: "الظلم ظلمات يوم القيامة" (الآحاد والمثاني 3/276 رقم 992) وقال صلى الله عليه وسلم" اتقوا دعوة المظلوم فإنها ترفع على الغمام" (المعجم الكبير 6/148 رقم 3718 وصحيح ابن حبان 3/160 رقم 875). ويقول الله عز وجل: "وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين" (المعجم الكبير 4/85 رقم 3718 ومسند الشهاب 1/427 رقم 733) . وقال عليه الصلاة والسلام: "ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن دعوة المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد على ولده" (الأدب المفرد للبخاري ص 51 رقم 33 وصحيح ابن حبان 6/416 رقم 2699) وقال عمر رضي الله عنه لمولى له وقد استعمله على الحمى: "اتق دعوة المظلوم فإنها مجابة". وقال بعض الحكماء: عدل السلطان خير من خصب الزمان. وقال بعضهم أيضاً: المملكة لا تصلح إلا بإعداد الأجناد، ولا تعد الأجناد إلا بإدرار الرزاق، ولا تدر الأرزاق بكثرة الأموال إلا بعمارة البلاد، ولا تعمر البلاد إلا بالأمن والعدل في العباد. وفي التوراة من يظلم يخرب بيته،وفي الزبور العدل ميزان الباري فلذلك هو مبرأ من كل زلل وميل، وفي الزبور أيضا إذا ظلمت من دونك فلا تأمن من فوقك، وفي الأثر: "دار الظالم خراب ولو ببعد حين" وقال معاوية أنقص الناس عقلاً من ظلم من هو دونه، وقيل أقرب الأشياء صرعة الظلوم وأنفذ السهام دعوة المظلوم. والناس في أخلاقهم وتقواهم متفاوتون، فمنهم التقي الراجع إلى الحق، ومنهم صاحب النفس الأمارة بالسوء فلا يهمه أعراض الناس وأموالهم لذلك كان لا بد من وجود نظام قضائي وسلطة تحرص على تحقيق هذا النظام في حياة الناس لذلك كان لزاماً أن يكون هناك من يقوم على الفصل بين الناس في خصوماتهم. وفي هذا الكتاب المسمى " شرح نظام المرافعات الشرعية السعودي " قمت بالتأصيل الفقهي لكثير من المواد، إضافة إلى التأصيل القانوني حيث اعتمدت على أمهات الكتب الفقهية لكافة مذاهب أهل السنة ولكثير من مؤلفات كبار القانونيين المعروفين على المستوى المحلي والعربي. هذا وقد سلكت في الشرح ذكر التأصيل الفقهي الشرعي للمادة أو للباب ثم أوردت بعض آراء أهل القانون ثم اعتمدت اعتماداً كبيراً بعد ذلك على اللوائح التنفيذية لكل مادة من مواد هذا النظام. وفي الختام فهذا جهدي فإن كان فيه الخير والتوفيق فمن الله تعالى وإن كان غير ذلك فمني ومن الشيطان وأعوذ بالله من زلل الشيطان.