الحمد لله الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم، الحمد لله المنّان، الملك القدوس السّلام، مُدبّر اللّيالي والأيّام، ومُصرّف الشّهور والأعوام، قدّر الأمور فأجراها على أحسن نظام، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يَكُنْ، الحمد لله على ما أنعم به عليّ من فضله بالخير الكثير، والعلم الوفير، وأعانني على إنجاز هذا العمل الذي أحتسبه عبادة من العبادات جعلها الله خالصة لوجهه الكريم. اعتاد الباحثون أن يفتتحوا مؤلفاتهم بمقدمة يتناولون فيها عرضاً موجزاً لما يحتويه مؤلفهم من فصول، والخطة التي اتبعوها في الربط بين هذه الفصول، ليعطوا القارئ فكرة مبدئية عن مضمونها، ويهيؤه للولوج في خضم التفاصيل التي تنطوي عليها صفحاتها، غير أنني أثرت الخروج في هذا المؤلف عن التقليد المتبع، لأن الدراسات أو الموضوعات التي تضمنها هذا الكتاب لا ترتبط بتسلسل متصل، وإن الرابطة الوحيدة بينها هي أنها جميعها تنضوي تحت مظلة قانون الجمارك، فقراءتها لا تحتاج إلى مقدمة أو تمهيد، وبإمكان القارئ الكريم أن يسترسل في قراءتها وفقاً للتسلسل الذي يريده، والسبب في ذلك يعود الى أن الدافع لتأليف هذا الكتاب هي الحاجة العملية لدراسة شاملة للموضوعات التي تناولها هذا الكتاب لتوضع في متناول أيدي المهتمين، إذ لم أجد في حد علمي واطلاعي القاصرين، بحثاً مستقلاً متكاملاً طرق جميع جزئيات هذا المؤلف، فضلا عن قلة ـ ولا أبالغ إذا قلنا ـ الكتابات والأبحاث المتخصصة في هذا المجال أى المجال الجمركي وعلى الأخص قانون الجمارك، وشبه العزوف عن تناول هذه الموضوعات من طرف الفقه القانوني المتخصص على الصعيد الوطني، ذلك أن أكثر الدراسات التي تناولت قانون الجمارك والمنازعات الجمركية انصب جل تركيزها على الشق الجزائي للقانون الجمركي وخصوصاً جريمة التهريب الجمركي، مما كان دافعاً لتناول هذه الموضوعات في مؤلف مستقل ييسر على الباحث والقارئ الرجوع إليها دون كبير عناء، وبما يجعلها دانية القطوف، مذللة الصعاب، منتظمة في سلك واحد، وتزداد الخصوصية أهمية لهذا الكتاب بسبب الرغبة الشخصية في البحث في مجال قانون الجمارك عموماً، بالأخص نتيجة لانتمائي الوظيفي إلى الإدارة الجمركية، ومن ثم محاولة التعمق في الموضوع، وذلك رغبة في إثراء الجانب العلمي للموضوعات التي تناولها هذا الكتاب فقد خلت الدراسات التي تناولت قانون الجمارك على الصعيد الوطني من طرق فصول هذا المؤلف عموماً وعلى الصعيد القانوني خصوصاً ومحاولة الاستفادة من ذلك في الميدان العملي، والاسترشاد به واستثماره، وتحقيق الفائدة لكل مهتم بهذا الفرع من فروع القانون. وقد حاولت في هذا الكتاب قدر المستطاع الاستعانة بأسهل السُبل لإيصال المعلومة القانونية، والابتعاد عن الغموض، والدخول في الخلافات الفقهية، ودون إغفال لأهمية الصياغة القانونية. فقانون الجمارك من الخصائص التي تُميزه أنه قانون تِقَني وفني متنوع المفاهيم، إذ إنه من المسائل التي أضفت أصالة كبيرة على القانون الجمركي هو ما يتوافر عليه هذا القانون من مفاهيم ومصطلحات خاصة به، بالنظر إليه من زاوية مظهره الجبائي، ومن هذا المنطلق نتمنى على كليات الحقوق في الجامعات الأردنية إدراج مساق قانون الجمارك ضمن خطتها الدراسية للإحاطة بجميع الخصوصيات التي تميز التشريع الجمركي، ذلك أنه من واقع التجربة العملية فإن أغلب المترافعين في الدعاوى الجمركية بشقيها الجزائي والمدني هم ممن كان لهم سبق الخدمة في دائرة الجمارك. وختاماً أقول ما قاله العماد الأصفهاني: ((إنّي رأيتُ أنّه لا يكتب إنسان كتابًا في يومه إلا قال في غدِه: لو غُيِّر هذا لكان أحسن، ولو زِيدَ كذا لكان يُستحسن، ولو قُدِّم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العِبَر، وهو دليلٌ على استيلاء النَّقص على جُملة البشر))، فإن أصبنا فمن الله التوفيق، وله المنة والفضل، وإن أخفقنا فمني ومن الشيطان، وحسبنا أننا حاولنا، رائدنا في ذلك الوصول إلى الحقيقة، والتي هي ضالة المؤمن أنّى وجدها التقطها، فإن وضعها في مكانها الصحيح فبها ونعمت، وإن أخفقنا في ذلك، فكل ابن آدم خطأ وخير الخطائين التوابون.