لقد شهد العالم طفرة هائلة في مجال تطبيقات البيولوجيا البشرية, حيث توسعت معارف الإنسان واكتشافاته عن طريق الأبحاث والتجارب التي طبقت في بداية الطريق على الحيوانات إلى أن أصبح محلها الإنسان والأجنة في الأرحام, مما دفع العديد من مؤيدي حقوق الإنسان إلى تأكيد مجموعة من الحقوق والمبادئ اللصيقة بالكائن البشري, كالحق في الحياة وفي سلامة الجسد (معصوميته), وعدم قابليته للتصرف وخروجه عن نطاق التعامل, فضلاً عن الحق في الكرامة الإنسانية, وحق الإنسان في الخصوصية والتفرد, ويضاف إلى ما سبق ضرورة حماية الجنين البشري, ولقد توالت الإعلانات والاتفاقيات الدولية التي تؤكد على وجوب احترام هذه المبادئ, فمنها ما كان عاماً كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان, ومنها ما كان خاصاً بموضوع هذا الكتاب كالإعلان العالمي بشأن المجين البشري وحقوق الإنسان الصادر عن (اليونسكو) واتفاقية أوفيدو الخاصة بحقوق الإنسان والطب الحيوي, مما أدى بالنتيجة إلى ظهور مصطلح أخلاقيات البيولوجيا.
وقد دفعت الاكتشافات الطبية التي زخرت بها وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية الدول إلى إيجاد نظام قانوني يحكم سبل توظيف المكتسبات العلمية في القوانين لإخضاعها إلى منهج سليم, فمنها من حقق النجاح ومنها من حاد عن الطريق القويم.
حيث لاقت البيوتكنولوجيا اهتماماً ملحوظاً لدى فقهاء الشريعة الإسلامية والمجامع الفقهية؛ نظراً لمساسها بجسد الإنسان والأجنة في الأرحام وتصادمها مع العديد من أنظمة المجتمع المتعلقة بالزواج والميراث والنسب.
فمن المسلم به شرعاً وقانوناً جواز التدخل الطبي والمساس بحرمة جسد الإنسان لغايات العلاج والتدواي والذي يعد استثناءً على الأصل, إلا أن العديد من تقنيات البيولوجيا البشرية لا تنطوي على ضرورة علاجية.
وعليه فإن هذا الموضوع يتسم بحساسية وجدلية متصلة بجانبين, يتمثل الجانب الأول بضرورة حماية الأشخاص والأجنة من تجارب وتطبيقات البيوتكنولوجيا, والتأكد من توافر التطبيق السليم للمبادئ المتصلة بجسد الإنسان, وأما الجانب الثاني فإنه يتمثل بضرورة توفير قدر من الحرية للعلماء والأطباء لمواكبة التطورات العلمية الطبية والتي قد تسهم في توفير العلاج للكثير من الأمراض المستعصية التي عجزت وسائل الطب التقليدية عن إيجاد علاج ملائم لها.
لقد أدى التطور العلمي الهائل المتمثل في الابتكارات التكنولوجية الطبية الحديثة وتجاربها ــ والتي أصبحت واقعاً ملموساً تشهده معظم دول العالم ــ إلى ظهور العديد من الإشكاليات الشرعية والقانونية, بسبب غياب التنظيم القانوني الدقيق لهذه التقنيات التي تنطوي على آثار خطيرة تمس أهم أنظمة المجتمع المتعلقة بالزواج والنسب والميراث, فالمشرع الأردني لم يضع نصوصاً خاصة تنظم أحكام هذه التطبيقات, كما أن القواعد العامة الواردة في قانون العقوبات الأردني والتي تجرم الإجهاض والإيذاء لا توفر الحماية اللازمة والكاملة للكائن البشري وللأجنة في الأرحام, بالإضافة إلى بُطء إجراءات إصدار بعض مشاريع القوانين في المملكة الأردنية الهاشمية والتي تتصل بشكل مباشر بهذه التقنيات المستحدثة كمشروع قانون استخدام التقنيات الطبية المساعدة على الإنجاب لعام (2009) والذي ما زال طي الأدراج حتى وقتنا الحالي, ناهيك عن التباين في مواقف الدول من حيث إباحة بعض أوجه تقنيات الهندسة الوراثية والطب الإنجابي أو تجريمها, مما قد يدفع البعض إلى الهروب من قوانين دولته الصارمة واللجوء إلى الدول التي ترحب وتفتح الباب على مصراعيه أمام هذه التطبيقات وتسمح بها، فضلاً عن ظهور العديد من تطبيقات البيولوجيا البشرية والتي لم تلق بعد اهتماماً تشريعياً, كما أن هنالك غياب واضح لدور القضاء العربي بصفة عامة والقضاء الأردني بصفة خاصة في هذه المسائل المستحدثة, حيث لم تعرض عليه حتى الآن أية قضايا متعلقة بهذه التطبيقات.
وإزاء الإشكاليات السالفة الذكر كان لا بد من الدعوة إلى مواكبة كل المستجدات التقنية في إطار البيولوجيا البشرية وذلك من الناحية العلمية والشرعية والقانونية، والعمل على سن التشريعات المتخصصة التي تحدد أوجه التقنيات المباحة لغايات البحث العلمي والعلاج بعد استطلاع رأي فقهاء الشريعة الإسلامية، وتحديد الأطر التي يجب أن تقف عندها ولا تتجاوزها، فضلاً عن وجوب تجريم صورها الأخرى بنصوص قطعية صريحة وإيراد عقوبات جزائية صارمة على بعض الممارسات والبحوث والتجارب الطبية, وتسليط الضوء من خلال هذا الكتاب على بعض المسائل الشائكة المرتبطة بهذه التقنيات والتي لم تنظمها التشريعات الوضعية كإيذاء الأجنة في الأرحام, بالإضافة إلى التوسع في الحالات التي يتم فيها التلقيح الصناعي باستخدام نطف بشرية وأجنة مجمدة بعد انقضاء الرابطة الزوجية.
الصفحة | الموضوع |
9
|
المقدمة
|
|
الفصل التمهيدي
|
|
التوفيق بين معصومية الجسد والتجارب الطبية التي تقع على الكائن البشري
|
16
|
المبحث الأول: حرمة جسد الإنسان ومعصوميته
|
20
|
المطلب الأول: شمول مبدأ المعصومية للجسد والمنتجات البشرية
|
28
|
المطلب الثاني: تحقق الحماية للكائن البشري حتى قبل ولادته
|
41
|
المبحث الثاني: التجارب الطبية على الإنسان
|
43
|
المطلب الأول: الشروط العامة لإجراء التجارب الطبية على الإنسان
|
54
|
المطلب الثاني: ضوابط تجارب تطبيقات البيولوجيا البشرية
|
|
الفصل الأول
|
|
الجوانب العلمية والشرعية والقانونية لتطبيقات الهندسة الوراثية
|
66
|
المبحث الأول: الاستنساخ البشري
|
66
|
المطلب الأول: أحكام الاستنساخ البشري وحدوده
|
68
|
الفرع الأول: مفهوم الاستنساخ وأقسامه
|
76
|
الفرع الثاني: أنواع الاستنساخ البشري
|
83
|
المطلب الثاني: مدى مشروعية عمليات الاستنساخ البشري
|
84
|
الفرع الأول: الاستنساخ البشري في ميزان الشريعة الإسلامية
|
94
|
الفرع الثاني: موقف التشريعات الوضعية من مسألة الاستنساخ البشري
|
111
|
المبحث الثاني: انتقاء النسل والتعديل الجيني
|
111
|
المطلب الأول: المفهوم العام لتقنية انتقاء النسل والتعديل الجيني
|
111
|
الفرع الأول: ماهية تقنية تحديد جنس المولود
|
115
|
الفرع الثاني: التعديل الجيني والأمراض الوراثية
|
120
|
المطلب الثاني: مشروعية عمليات تحديد جنس المولود وصفاته
|
120
|
الفرع الأول: المعالجة الشرعية لعمليات تعديل وانتقاء النسل
|
133
|
الفرع الثاني: المعالجة التشريعية لعمليات تعديل وانتقاء النسل
|
|
الفصل الثاني
|
|
تحديد النطاق العلمي والشرعي والقانوني لعمليات الطب الإنجابي
|
149
|
المبحث الأول: التلقيح الصناعي
|
151
|
المطلب الأول: ماهية التلقيح الصناعي وأنواعه
|
151
|
الفرع الأول: التعريف بتقنية التلقيح الصناعي
|
156
|
الفرع الثاني: أشكال التلقيح الصناعي
|
172
|
المطلب الثاني: إطار مشروعية عمليات التلقيح الصناعي
|
172
|
الفرع الأول: موقف الشريعة الإسلامية من عمليات التلقيح الصناعي
|
180
|
الفرع الثاني: موقف التشريعات الوضعية من عمليات التلقيح الصناعي
|
196
|
المبحث الثاني: تأجير الأرحام وبنوك النطف
|
196
|
المطلب الأول: المفهوم العام لعمليات تأجير الأرحام وتجميد الأجنة
|
197
|
الفرع الأول: ماهية ظاهرة تأجير الأرحام وتطورها التاريخي
|
209
|
الفرع الثاني: التطور التاريخي لبنوك النطف والأجنة المجمدة وأحكامها
|
216
|
المطلب الثاني: موقف الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية من تأجير الأرحام
|
216
|
الفرع الأول: مدى مشروعية تأجير الأرحام في الشريعة الإسلامية
|
225
|
الفرع الثاني: مدى مشروعية تأجير الأرحام في القوانين الوضعية
|
245
|
الملحق (مشروع قانون مقترح): مشروع قانون تطبيقات البيولوجيا البشرية
|
255
|
الخاتمة
|
263
|
المـراجـع
|
|