وسط هذه المتغيرات والتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرقمية التي يمر بها العالم، يتخيل المرء أنه جزء منها، يتفاعل معها ويتطلع إلى التأثير في كل ما يجري أو بعض ما يجري حوله، محاولاً أن يجد لنفسه دوراً يؤديه. وبالنسبة للأستاذ الجامعي، هل له غير قلبه وفكره وورقته ومراجعه العلمية وطلبته ومحاضراته؛ يمزجها، بعضها ببعض، ويستخلص منها دوره في تأهيلِ وتوجيهِ هذه الأجيال من الطلبة الشباب والعاملين في شتى الحقول والمجالات العلمية والإنسانية. إن الابتكار وريادة الأعمال ـ كما نعرف ـ علم يتغير ويتطور تبعاً للمتغيرات والتحولات التي يمر بها العالم كله، مثل تلك التي نمر بها حالياً في مختلف مجالات التجارة والصناعة والزراعة والمال وقطاع الخدمات والإنتاج، فالتحديات السياسية والجغرافية تحتاج إلى الرياديين لتحقيق النصر لهذه الأمة، وتعاظمُ حجم المؤسسات والمصالح الاقتصادية يحتاج إلى رياديين ينهضون بأعمالهم؛ كلٌّ في مركزه ومجاله. فهذا الكتاب الذي بين يديك هو إضافة على ما قدمه الباحثون العرب الذين أثروا هذا العلم بجهدهم طيلة عقد أو عقدين أو ثلاثة من العمل في حقل الريادة والابتكار بالشركات والقطاعات المختلفة وفي الجامعات والمعاهد، وفي مجال البحث العلمي. انطلق هذا الكتاب "الريادة والابتكار" من الإطار الفكري والإدراكي إلى البعد التطبيقي والعلمي، وعلى صعيد الهدف الذي سعى الكتاب إلى تحقيقه، وهو توفير المادة العلمية للطالب، خصوصاً في الجامعات والمعاهد العليا ومراكز البحث والتدريب، وللرياديين في مختلف مستوياتهم ومجالاتهم، وللباحثين في مجال الريادة والابتكار، وغيرهم من المهتمين في هذا المجال لتعزيز ثقافة الريادة والإبداع والابتكار. وقد تم تصميم هذا الكتاب بعد خبرة في تدريس موضوعاته للطلبة المستجدين، لاحظنا خلالها صعوبة إدخالهم ـ أولَ مرة ـ إلى بوابة الريادة والابتكار، فهو علم ولغة جديدة، ومصطلحات ومجال جديد عليهم، فأُخَذَ ذلك في الاعتبار، فكنا نتذكر ملاحظاتهم وطلباتهم وتساؤلاتهم ونقوم بتدوينها، وقد راعينا أن تكون اللغة سهلة وسلسة بعيدة عن الحشو والتعقيد، كما أدخلنا العديد من الرسوم البيانية والأمثلة التوضيحية البسيطة لمساعدة الطالب على الاستيعاب. ولإدراكنا أهميةَ الكتاب بالنسبة للطلبة المستجدين أدخلنا عنصر التعلم من خلال تشجيع الطالب على التفكير والتطبيق لصقل مهاراته العملية. لقد تناول هذا الكتاب أساسيات الريادة والابتكار، وقد بدأنا أولاً بتعريف الابتكار ومفاهيمه ومبادئه وخصائصه، ثم ريادة الأعمال، ومصادر الابتكار، وتم التطرق إلى مفهوم إدارة وتطوير الابتكار وأساليبه، واستعراض طرق تحديد الفرص وآليات توليد الأفكار وكيفية تحليل جدوى المشروع والتقنيات التي يتم استخدامها، ثم تم التطرق إلى موضوع تطوير وبناء نموذج العمل التجاري للمشروع والأدوات التي يتم استخدامها لتحليل الصناعة والمنافسين، إضافةً إلى كيفية بناء خطة العمل الخاصة بالمشروع والطرق التي يتم استخدامها لبناء النماذج الأولية، وتم استعراض طرق تمويل المشاريع الريادية وكيفية عرض المشاريع الريادية للحصول على التمويل اللازم، لترجمة هذه الأفكار وتحويلها إلى مشاريع ذات بعد تطبيقي أو كشركات ناشئة تساهم في دعم الاقتصاد الوطني المرتكز على المعرفة والمساهمة في خلق وإيجاد فرص عمل جديدة للطلبة والطالبات والخريجين. وفي الختام، نرجو المعذرة عن أي سهو أو خطأ لم نستطع تداركه. والشكرُ لجميع الطلبة الأعزاء على ملاحظاتهم التي عززت من مطابقة مواصفات هذا الكتاب لاحتياجات الطلبة المستجدين، وللزملاء الأكارم الذين يرون فيه الكتاب المناسب للطلبة الجدد من حيث المتطلبات العلمية والعملية وطريقة عرض الموضوعات؛ لهم جزيل الشكر والتقدير.