إن الحمد لله حمداً طيباً مباركاً كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه قال تعالى: (وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبرة تكبيرا) (سورة الإسراء آية 111). اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، عليك توكلت، وأنت رب العرش العظيم، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أعلم أن الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً، اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم. قال الله تعالى:(رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى ولدي وأن اعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين) (سورة الأحقاف آية 15). والصلاة والسلام على سيد الخلق وإمام المرسلين، القائل فيه رب العالمين:(إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) (سورة الاحزاب آية 56). "صلى الله عليه وسلم " تسليماً مباركاً طيباً كثيراً، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه ودربه إلى يوم الدين، وأما بعد: فقد اعتنت الشريعة الإسلامية الغراء، بشتى ميادين العلاقات، علاقة الإنسان بربه تعالى، وعلاقته بغيره بل وبنفسه، كيف لا وهي الشريعة الخالدة من الله عز وجل للبشرية جمعاء إلى قيام الساعة، ومن هنا جاء الاهتمام بتنظيم علاقة الناس بعضهم ببعض، فشرع لهم الحقوق والواجبات، وشرع لهم الأحكام لتنظيم تلك الحقوق والعلاقات. ومن جملة تلك التشريعات الاهتمام بتوثيق تلك الحقوق والواجبات والتعاملات بين الناس، ليبقى كل واحد منهم مطمئناً على حقه، مطالباً بالحق الذي عليه، ليتحقق التوازن الفريد الدقيق، ولهذا نجد أن آية الدين هي الآية الشريفة التي تنظم وتعقد القواعد والمبادئ الأساسية في توثيق الحقوق فيما بين العباد، ومن عجيب وإعجاز تلك الآية تفصيلها الدقيق لشتى صور التوثيق في شتى الأوقات والظروف، سواء أكان الحال في السفر أم الحضر وسواء أكان صاحب الحق عالماً كاتباً أم جاهلاً لا يستطيع إلى ذلك سبيلاً. فقد أنزل الله عز وجل آية الدين من سورة البقرة يقول عز وجل فيها: (سورة البقرة: 282، 283). إن الناظر في هذه الآية يجد أنها اشتملت على أنواع التوثيق الثلاثة: التوثيق بالكتابة، والتوثيق بالإشهاد، والتوثيق بالرهن، وهذا يدل دلالة واضحة بينة على اهتمام الشارع الحكيم بالتوثيق للحقوق، لما يترتب على ذلك من آثار وواجبات مما لا يترك مجالاً للتهرب أو التنكر. ومن هنا جاء اهتمام الباحث بموضوع التوثيق بشكل عام، إذ إن مقصود الشارع من سياق هذه الآية بهذا التفصيل الدقيق المحكم، مقصود بالغ الأهمية، يجب الاهتمام به، وأن يستمر البحث والفهم والدراسة لباقي المقاصد التي قد تكون ما زالت غائبة عنا حتى اليوم، كيف لا وهذا القرآن العظيم: هو آية الله المعجزة التي أرسلها لنبيه "عليه الصلاة والسلام "، معجزة خالدة أسرارها لا تفنى، وإنما تتضح وتزداد وضوحاً كلما سبر العلماء في أعماقها، ولعل من أبرز المقاصد من هذه الآية الكريمة، هو تحقيق العدل بين الناس، بحيث لا يظلم أحدٌ أحداً، وقطع الخصومات بين الناس، إذ بالتوثيق ينتفي التجاحد والتناكر للحقوق، ولا سيما في زمن قد فسدت فيه كثير من الذمم ونشب كثير من الخلافات بين الناس.