الحمد لله الذي جعل أفعال الفقهاء المخلصين رهينةَ الأَجر. مطابقةً لقواعد الشرع بما تقتضيه الحكمةُ من نهيٍ وأمر. الذين أكرهوا أنفسهم على حفظ أمانة ربهم في الشهادة والغيب. وأَسلموا عاجلهم لآجلهم قرضاً بعقدِ قلبٍ سليم من كل عيب. فاستنقذوها من تبعات الدعوى يوم الخصام بالعملِ والعلمِ الفاصلِ بين الحلال والحرام، حافظين مهامِه أوقاتهم لمزارعة البِرّ كيلا تغتصبها أيدي اللهْو. في البداية والنهاية. غير راقلين في حلل الزهو، إذ رقوا في معراج الدراية بالعناية والهداية. فكان القولُ المقبول عند الله قولهم: "والعملُ الموزون بالقسطاس المستقيم عملهم". بل هو أرجحُ البيّنات على السعادة قياساً واستحساناً. وأوثقُ الكفالات نجاةً عند الله ورضواناً. والصلاة والسلام على مجلة الكمالات القدسيّة، محيطاً بها كل برهان. وملتقى أبحر الفيوضات الفتحيّة، أزلاً وأبداً باستصحاب كل زمان المبعوث بتبيين خلاصة المِلةِ البيضاء دليلاً إلى الصراط المستقيم. وببدائع الشريعة المقدسة السمحاء، زخيرة الكشفِ من لَدُنْ حكيمٍ عليم. فهي أساسُ النظر لمصالح الدين والدنيا، وسراجُ البصيرة والبصر، تفتح قلوباً غُلْفاً وأعيناً عُمياً. بل جامعةُ الفصولين معاشياً ومعاداً. ونورُ العين تبصرةً وإرشاداً، وعلى آله أصحابه، والمتأَدّبين بآدابه.ـعع
وبعد فإن مجلة الفقه لما كانت جزيلة المعنى، وجيزة المبنى، فوائدها فرائد تستوقف. وتزري بالقلائد في نحور الخرائد، انتُخِبتْ مسائلُها الاجتهادية مما هو الأرفق، ولحال الزمان أنسب وأوفق. فطارت بأجنحة السهولة والانسجام. والِجةً بغير استئذانٍ آذانَ الأنام بضوابط وقواعد مُحكمة، فيما شجر بين الخصوم محكَّمة، وهي وإن تداولتها أقلامُ الشُّرَّاح لما تُجل في عقائل مُخبآتها القِداح. ولما تلامِسها كفُّ شرحٍ مستوفي يُوشحُها بكل بحثٍ من غرائبِ الرغائبِ مستصفى. فبقيتْ عذراءَ في خدرها. يتيمةً في ظلمات بحرها. يتداولها الكثير من الورى. وكأنهم ينزلون منها على غير قرى. إلى أن تطرَّزتْ بشرحٍ ينشرح له الصدر. ويمتزج في القلوبِ امتزاجَ المآء بالخمر، سالكةً في ميدان الأذهان، مسلك الرُّقاد من الأجفان. بتحرير يستنزل وعولَ المعاني من صعابها. ولا غروَ فإن البيوتَ تؤتى من أبوابها. من كل بحثٍ يرُوض أَفهاماً حيارة في دَرْكِ الحقائقِ قلوبُها ويروق في المعضلات إفهاماً. وما دواءُ الأدواءِ إلا طبيبُها. ذلك ما جاد به وأجاد، وأصاب شاكلةَ المراد، من قلمه في رياض الطروس أوْطف الأهداب. إلا أنَّ قطره سكبُ المعاني في الألباب. وبيانه هو السحر الحلال. إلا أنه نافثٌ في مضايق الأشكالِ. ومن هو في عصره الذهب الإبريز، بل العَلَمُ المرفوعُ الذي نَصَبَه التمييز. علامة المحققين، فهامة المدققين، سيدي وأستاذي وكهفي وملاذي، المرحوم والدي مفتي حمص الأسبق، ومن هو في حلبة المفتين الأغرّ الأسبق، السيد محمد خالد العطاسي ثم المعروف بالأتاسي، لا زالت الرحمة تصافح ضريحه وتواسي، وكان رحمه الله تعالى ابتدأَ في شرحها من كتاب البيوع تاركاً قواعدها الكلية إلى أن وصل إلى المادة 1728 فاخترمته المنية. وما بين ذلك من المادة (388) إلى المادة (397) عشر مواد مقدار كراسين طرأَ عليها الضياع من شرحه. فشرحت القواعد الكلية وذيلتها بإتمام ما حال دونه أجلُه إلى آخر الكتاب، ورَفوْتُ ما كان مفقوداً من شرحه على المواد العشر التي استولى عليها الضياع. فتم بحمد الله تعالى الكتاب. هذا ولولا مراجعةُ المغرورين بي بلا إِعذار، ما اقتحم ضبُّ عجزي لُججَ هذا التيّار. فكيف أجولُ في معارك ذوي الكرّ والحمل، ولم يعرف بناني كيف القبضُ على النصل. فكأّني فيما أتيتُ أضمُّ إلى جوهره خَزَفاً، أو أَزين بضغثٍ من بضاعتي المزجاةِ رَوضةً أُنُفاً. فأقول متوكلاً على الله، وما توفيقي إلا بالله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.ـ