تفويض المرافق العامة وابرز تطبيقاته عقود البناء والتشغيل والتحويل عقود البوت

ISBN 9789957169725
الوزن 1.100
الحجم 17×24
الورق ابيض
الصفحات 584
السنة 2017
النوع مجلد

لقد كان المرفق العام ولا يزال يُعَبِّر عن تطور المجتمع ومدى درجة رُقيّه أو تأخّره، وتحديث المرفق بطبيعة الحال هو تحديث للمجتمع نفسه، كما يُعدُّ إحدى الدعائم الأساسية التي تسهم في تحديث الدولة، فالعلاقة وثيقة بين المرفق العام والدولة والمجتمع. ولقد قيل: "إنَّ الدولة هي عبارة عن مجموعة من المرافق العامة"، كما قيل أيضاً: "إنَّ الدولةَ جِسمٌ خلاياهُ المرافق العامة". إنَّ الدَّولةَ والأجهزة التابعة لها في الوقت الذي يقع على عاتقها، الكثير من المهام الأساسية بغية تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتوزيع الخدمات العامة بقصد إشباع الحاجات الضرورية للأفراد وازدهار المجتمع فهي في الوقت ذاته تسعى أيضاً إلى تأمين أفضل مستوى معيشي لأفرادها، هذه المهام والالتزامات لا تتحقق إلا عن طريق إقامة مرافقها العامة الاقتصادية والإدارية... ولقد أصبح القطاع العام أمراً لابدَّ منه كمحرك أساسي لتحقيق التنمية الاقتصادية وخلق فرص عمل لتواكب تزايد القوى العاملة والتخفيف من التبعية للنظام الاقتصادي العالمي. وما إن أتت سنون السبعينيات من القرن الماضي حتى بدأت الأصوات تتعالى وتنتقد الاتساع الكبير في حجم المرافق العامة خصوصاً الاقتصادية منها والتي أصبحت تدار بكاملها من قبل الدولة. وفي مطلع ثمانينيات القرن الماضي كان هناك عيوب عصفت ببعض مؤسسات القطاع العام في الدول المختلفة، وظهرت أوجه الخلل والقصور فيه ومنها تدني المردودية بسبب ضعف الكفاءة الإنتاجية والإدارية وتدنيهما عن المستويات المقبولة والروتين وقلة في الموارد المالية وزيادة النفقات الإدارية غير العادية التي أصبحت تثقل كاهل الخزينة العامة للدولة. وعجز كثير من الحكومات عن تمويل مشروعات البنية التحتية والمرافق العامة الضخمة التي تعد المُساهم الرئيسي في تحقيق التنمية الشاملة. وكذلك فإن تزايد النمو السكاني بشكل ملحوظ أدى إلى زيادة متطلبات تقديم الخدمات العامة للمواطنين، مما شكَّل عبئاً إضافياً على الخزينة العامة الأمر الذي قَلَّصَ من قدرة الدولة في الإنفاق على إقامة وتشغيل وإدارة المرافق العامة أو مشروعات البنية الأساسية (التحتية)، ولاسيما أن هذه المشروعات والمرافق تحتاج لتكنولوجيا متطورة ذات تكاليف عالية يستلزم استيرادها من الخارج في الوقت الذي تعاني فيه بعض الدول النامية من عجزٍ في موازين مدفوعاتها أو تشكو من أزمة مديونية خارجية. لهذه الأسباب وغيرها مما سيرد في سياق الدراسة بدأت بعض الدول بتحرير اقتصادها بالتخلي عن دورها في النهوض بعبء إدارة بعض المرافق العامة الاقتصادية؛ وذلك من خلال بيع هذه المرافق إلى القطاع الخاص تحت لواء مصطلح الخصخصة التي كان لها الكثير من المساوئ بما يتجاوز إيجابياتها، ولاسيما حين تحولت من سياسة اقتصادية داخلية للدولة إلى سياسة اقتصادية خارجية فرضتها المؤسسات المالية الدولية ومنها البنك وصندوق النقد الدوليان على الدول وخصوصاً النامية منها، تحت قناع إعادة هيكلية اقتصاديات تلك الدول، لذلك فقد طُرحت حديثاً على بساط البحث ضرورة إيجاد بدائل إدارية وقانونية لنظام الخصخصة. وقد تجلت هذه البدائل بتحرير الاقتصاد أيضاً، ولكن هذه المرة ليس عن طريق الخصخصة وإنما من خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص، كأن تعهد الدولة للقطاع الخاص بإقامة أحد مشروعات البنية الأساسية أو المرافق العامة، وإدارة واستثمار تلك المرافق التي تحتفظ الدولة بملكيتها وتتحكم بتنظيمها، وتبقى المرافق، مرافق عامة، تخضع لرقابة وإشراف الدولة، لأجل ذلك فإن الدولة سوف تحتاج إلى جملة من الآليات والأساليب الإدارية والقانونية للقيام بتلك المهام، بما يكفل عدم إهدار رأس المال الوطني المتمثل بوجود هذه المرافق كثروة وطنية لا يمكن التنازل عنها من جهة وإيجاد ريعية اقتصادية فعالة تسهم في عملية التنمية الوطنية الشاملة من جهة أخرى. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الأزمات الاقتصادية والمالية في الحقبة الماضية التي دعت الدول إلى التدخل الواسع في الشأن الاقتصادي وتولي هذه الدول عبء النهوض بالمشروعات العملاقة والمرافق العامة بمفردها، فإن الأسباب والأزمات آنفة الذكر ذاتها قد جعلت الدول تتراجع عن احتكارها للقطاع العام، لتعود مرةً أخرى بأساليب متعددة بالتوجه نحو الشراكة مع القطاع الخاص في النهوض بعبء تلك المرافق. كما لا يخفى على الكثيرين بأن الدول قد استهدفت من وراء الاستعانة بالقطاع الخاص معالجة أوجه الخلل والقصور في بعض جهات القطاع العام؛ وذلك بغية رفع الكفاءة الإنتاجية والإدارية لمرافقها العامة عن طريق الإدارة الخاصة للمرافق العامة الاقتصادية التي تؤدي إلى زيادة درجة المنافسة بين الوحدات الإنتاجية، الأمر الذي يؤدي إلى التخلص من العناصر البشرية العاملة في المرافق العامة الذين لا يتمتعون بالكفاءة المطلوبة وظهور كوادر إدارية أكثر كفاءة. وفي سبيل ذلك فقد لجأت معظم الدول إلى تقنيات جديدة في مُسمّاها، قديمة في مفهومها وتطبيقاتها؛ ألا وهي تقنية تفويض إدارة المرافق العامة التي قد تتمثل بأحد أسلوبين؛ نظام الترخيص أو نظام التعاقد وصوره العديدة وأشهرها تلك المتمثلة بالتزام المرافق العامة. ولكن نظام التعاقد بالتزام المرافق العامة هذا قديم العهد يمتد بجذوره إلى القرن التاسع عشر؛ قد أعيد إنتاجه حديثاً بثوبٍ وتسميةٍ جديدين ألا وهي عقود الـ (B.O.T)، البي. أو. تي. وسماها البعض اختصاراً "البوت". والـ (B.O.T) هي اختصار للكلمات الإنكليزية Build, Operate and Transfer البناء والتشغيل والتحويل. فالتعاقد بنظام الـ (B.O.T) يعني أن تعهد الإدارة لأحد المتعاقدين المستثمرين من القطاع الخاص بإنشاء وتشغيل وإدارة مشروع من مشروعات البنية الأساسية (التحتية) أو مرفق عام مثل إقامة الطرق العامة والأنفاق والجسور والاتصالات ومصانع لإنتاج الطاقة والمشروعات السياحية... على نفقة المستثمر ومسؤوليته لمدة معينة متفق عليها وقيامه بتحصيل النفقات والمصروفات المدفوعة وتحقيق هامش معقول من الربح مما يستوفيه من المنتفعين كرسوم لقاء الخدمات المؤداة جراء تشغيل واستغلال ذلك المرفق تحت إشراف ورقابة الإدارة المانحة، ويقوم المستثمر المتعاقد في نهاية تلك المدة بإعادة المرفق بكامله إلى الإدارة بحالة جيدة وصالحاً للاستغلال. وقد لاقى هذا الأسلوب التعاقدي الـ (B.O.T) اليوم رواجاً ونجاحاً في كل دول العالم، ولاسيما بعد أن تبنَّتهُ المؤسسات المالية الدولية بمناسبة توجيهها للدول المختلفة عند إعادة هيكلة اقتصادياتها لمعالجة المشكلات المالية وأزمة المديونية المزمنة( ) . كما أن هذا النظام التعاقدي الجديد يحقق ميّزة كبرى تتمثل في عدم تحمل ميزانية الدولة لأية تكاليف لتمويل المشروع ولسداد القروض. والتعاقد بنظام الـ (B.O.T) ليس حديثاً فقد كان يُطلق عليه سابقاً تسمية الالتزام كما ذكرنا؛ فقد منحت مصر عدة التزامات من هذا القبيل، ومنها إقامة أول خط حديدي في أفريقيا بين الإسكندرية والسويس والقاهرة؛ وكان ذلك عام 1851 للمهندس الإنكليزي جورج ستفينون. كما عرف نظام "البوت" الـ (B.O.T) أو الالتزام في فرنسا منذ زمن بعيد، فهناك من يرجع ظهوره إلى القرن الثامن عشر وبالتحديد إلى عام 1782 عندما عهدت الحكومة الفرنسية إلى شركة (بيرييه إخوان) التزام توزيع المياه في العاصمة الفرنسية باريس، ثم انتشر هذا النظام في دول أوروبا خاصة بعد عام 1830 م في إسبانيا وإيطاليا وألمانيا..... وإذا كانت فرنسا تفتخر بأنها أول من ابتكرت وطبقت أسلوب الالتزام في إدارة واستثمار المرافق العامة فإن التجارب الأمريكية والبريطانية أثبتت فعاليتها في تطوير مفهوم الشراكة العامة والخاصة Public - Private - Partnership،P.P.P الذي وجدت فيه خير وسيلة للحد من الأعباء المالية والمبالغة في النفقات. وسوف نقوم في هذه الدراسة بالتطرق لبعض مفاهيم نظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص وما ينضوي تحتها من تقنية تفويض إدارة المرافق العامة في فرنسا في ضوء التطورات التشريعية والقضائية الحديثة؛ إذ تعد فرنسا مهد هذه التقنية ومصدرها، ولاسيما من خلال قانون سابان الفرنسي (SAPAN) الشهير رقم 122 لعام 1993 الذي وضع قواعد تنظيم وأسس العمل وفقاً لتقنية تفويض تلك المرافق. وسوف نحاول التطرق لتقنية التفويض ذاتها في كل من فرنسا ومصر وسوريا وأحياناً في بعض الدول التي تبنت هذه التقنية، وبالرغم من عدم انتشار هذه التسمية في الكثير من الدول فإن ذلك لا يعني عدم معرفة الفكرة ذاتها. ونخلص إلى القول: بأنَّ هذا الكتاب يأتي ليعالج المشاكل التي يثيرها تدخل القطاع الخاص في إدارة المرافق العامة الاقتصادية، حيث يتطرقً في البداية إلى تطور تجربة المرافق العامة، وإلى الأساس القانوني الذي قامت عليه التجارب المعاصرة لإدارة المرافق العامة الاقتصادية وهو أساس عقدي يقوم على المنظومة القانونية للعقود الإدارية. كما يتطرق إلى التقنية العقدية الأساسية التي استخدمت في فرنسا خصوصاً لإدارة المرافق العامة الاقتصادية في وقتنا الحالي، والمتمثلة في عقود تفويض المرافق العامة، وذلك من حيث بيان مفهومها والأساليب الأفضل لإبرامها ومما يؤمن أعلى درجات الشفافية في هذه المرحلة، وكذلك من حيث القواعد القانونية التي تحكم تنفيذها. وإضافة إلى ما تقدم يعالج هذا الكتاب الأسلوب الأكثر شيوعاً لتفويض المرافق العامة والمتمثل في عقود البناء والتشغيل والتحويل (B.O.T)، والذي لاقى شيوعاً وانتشاراً في سوريا والعالم العربي منذ منتصف تسعينيات القرن العشرين. فيدرس ماهيته وكيفية إبرامه، وهيكليته التمويلية، والإشكاليات المتعلقة بتنفيذه. وقد اتّبعتُ في هذا المؤلَّف منهجاً معيّناً، حيث تم بموجبه معالجة مقولات هذا البحث في فلك المنهج المقارن بين عدة أنظمة قانونية هي السائدة في سوريا ومصر وفرنسا، كما اتّبعتُ منهجاً تحليلياً قام على الاستقراء والاستنباط الموفقين، وكان غزيراً في مادته العلمية، والتركيز على الأمانة العلمية في التعامل معها، وهو الأمر الذي أدى إلى إيجاد نتائج هامة جداً مفيدة على المستويين التأصيلي والعملي. ولابد من الإشارة إلى أن أصل هذا الكتاب هو رسالة ماجستير بعنوان دور القطاع الخاص في إدارة المرافق العامة الاقتصادية، قمتُ بإعدادها طوال سنوات عدة مليئة بالمتابعة والعمل الدقيق والدؤوب لنيل درجة الماجستير في الإدارة و القانون العام، وقمتُ بمناقشتها في جامعة دمشق عام 2010، وقد نالت درجة الامتياز مع التوصية بالتبادل مع الجامعات الأخرى العربية والأجنبية، وقد لجأتُ إلى تطويرها و إجراء التعديلات والإضافات الشكلية والموضوعية وفقاً لما تقتضيه ضرورات نشر هذا الكتاب.

الصفحةالموضوع
11 المقدمة
الباب الأول
المرافق العامّة وطرق إدارتها
21 الفصل الأول: المرافق العامّة
23 المبحث الأول: ماهية المرافق العامّة
33 المبحث الثاني: المبادئ التي تحكم سير المرافق العامّة ونظامها القانوني
48 الفصل الثاني: العقود الإداريّة
50 المبحث الأول: ماهية العقود الإداريّة
60 المبحث الثاني: أنواع العقود الإداريّة
66 الفصل الثالث: أساليب إدارة المرافق العامّة
68 المبحث الأول: الإدارة الحكومية للمرافق العامّة
82 المبحث الثاني: الإدارة الخاصة للمرافق العامّة
الباب الثاني
تفويض المرافق العامة
95 الفصل الأول: ماهية تفويض المرافق العامّة
98 المبحث الأول: مفهوم تفويض المرافق العامة
103 المبحث الثاني: أسس تفويض المرافق العامة
109 المبحث الثالث: الطبيعة القانونية لتفويض المرافق العامة وصورها وتمييزها
145 الفصل الثاني: إبرام عقود تفويض المرافق العامّة
146 المبحث الأول: مبادئ عقود تفويض المرافق العامة
156 المبحث الثاني: مضمون عقود تفويض المرافق العامة
167 الفصل الثالث: تنفيذ عقود تفويض المرافق العامّة
169 المبحث الأول: حقوق والتزامات الإدارة المانحة لتفويض المرافق العامة
183 المبحث الثاني: حقوق والتزامات المفوَّض إليه في تفويض المرافق العامة
191 المبحث الثالث: المجالات التشريعية ذات الصلة بخلق بيئة استثمارية ملائمة
الباب الثالث
نظام البناء والتشغيل والتحويل (B.O.T)
213 الفصل الأول: ماهية نظام مشروعات البناء والتشغيل والتحويل (B.O.T)
216 المبحث الأول: مفهوم نظام مشروعات البناء والتشغيل والتحويل (B.O.T)
257 المبحث الثاني: تصنيف مشروعات البناء والتشغيل والتحويل (B.O.T)
288 المبحث الثالث: الإطار القانوني والإداري لمشروعات البناء والتشغيل والتحويل (B.O.T)
325 الفصل الثاني: إبرام عقود مشروعات البناء والتشغيل والتحويل (B.O.T) وهيكليتها التمويلية
326 المبحث الأول: مراحل إبرام عقود مشروعات البناء والتشغيل والتحويل (B.O.T)
363 المبحث الثاني: الهيكلية التمويلية لمشروعات البناء والتشغيل والتحويل (B.O.T)
383 الفصل الثالث: آثار تنفيذ مشروعات البناء والتشغيل والتحويل (B.O.T)
385 المبحث الأول: حقوق والتزامات أطراف مشروعات البناء والتشغيل والتحويل (B.O.T)
451 المبحث الثاني: تسوية المنازعات في عقود مشروعات البناء والتشغيل والتحويل (B.O.T)
497 المبحث الثالث: انتهاء مشروعات البناء والتشغيل والتحويل (B.O.T)
507 المبحث الرابع: تقدير مشروعات نظام البناء والتشغيل والتحويل (B.O.T)
539 الخاتمة
553 المراجــع
القانون     الاداري تفويض المرافق العامة وابرز تطبيقاته عقود البناء والتشغيل والتحويل عقود البوت
 
اضافة الكتاب الى سلة المشتريات
  الكمية:
حذف الكتاب:
   
   
 
 
انهاء التسوق
استمر بالتسوق
9789957169725 :ISBN
تفويض المرافق العامة وابرز تطبيقاته عقود البناء والتشغيل والتحويل عقود البوت :الكتاب
أ.يعرب محمد الشرع :المولف
1.100 :الوزن
17×24 :الحجم
ابيض :الورق
584 :الصفحات
2017 :السنة
مجلد :النوع
$35 :السعر
 
:المقدمة

لقد كان المرفق العام ولا يزال يُعَبِّر عن تطور المجتمع ومدى درجة رُقيّه أو تأخّره، وتحديث المرفق بطبيعة الحال هو تحديث للمجتمع نفسه، كما يُعدُّ إحدى الدعائم الأساسية التي تسهم في تحديث الدولة، فالعلاقة وثيقة بين المرفق العام والدولة والمجتمع. ولقد قيل: "إنَّ الدولة هي عبارة عن مجموعة من المرافق العامة"، كما قيل أيضاً: "إنَّ الدولةَ جِسمٌ خلاياهُ المرافق العامة". إنَّ الدَّولةَ والأجهزة التابعة لها في الوقت الذي يقع على عاتقها، الكثير من المهام الأساسية بغية تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتوزيع الخدمات العامة بقصد إشباع الحاجات الضرورية للأفراد وازدهار المجتمع فهي في الوقت ذاته تسعى أيضاً إلى تأمين أفضل مستوى معيشي لأفرادها، هذه المهام والالتزامات لا تتحقق إلا عن طريق إقامة مرافقها العامة الاقتصادية والإدارية... ولقد أصبح القطاع العام أمراً لابدَّ منه كمحرك أساسي لتحقيق التنمية الاقتصادية وخلق فرص عمل لتواكب تزايد القوى العاملة والتخفيف من التبعية للنظام الاقتصادي العالمي. وما إن أتت سنون السبعينيات من القرن الماضي حتى بدأت الأصوات تتعالى وتنتقد الاتساع الكبير في حجم المرافق العامة خصوصاً الاقتصادية منها والتي أصبحت تدار بكاملها من قبل الدولة. وفي مطلع ثمانينيات القرن الماضي كان هناك عيوب عصفت ببعض مؤسسات القطاع العام في الدول المختلفة، وظهرت أوجه الخلل والقصور فيه ومنها تدني المردودية بسبب ضعف الكفاءة الإنتاجية والإدارية وتدنيهما عن المستويات المقبولة والروتين وقلة في الموارد المالية وزيادة النفقات الإدارية غير العادية التي أصبحت تثقل كاهل الخزينة العامة للدولة. وعجز كثير من الحكومات عن تمويل مشروعات البنية التحتية والمرافق العامة الضخمة التي تعد المُساهم الرئيسي في تحقيق التنمية الشاملة. وكذلك فإن تزايد النمو السكاني بشكل ملحوظ أدى إلى زيادة متطلبات تقديم الخدمات العامة للمواطنين، مما شكَّل عبئاً إضافياً على الخزينة العامة الأمر الذي قَلَّصَ من قدرة الدولة في الإنفاق على إقامة وتشغيل وإدارة المرافق العامة أو مشروعات البنية الأساسية (التحتية)، ولاسيما أن هذه المشروعات والمرافق تحتاج لتكنولوجيا متطورة ذات تكاليف عالية يستلزم استيرادها من الخارج في الوقت الذي تعاني فيه بعض الدول النامية من عجزٍ في موازين مدفوعاتها أو تشكو من أزمة مديونية خارجية. لهذه الأسباب وغيرها مما سيرد في سياق الدراسة بدأت بعض الدول بتحرير اقتصادها بالتخلي عن دورها في النهوض بعبء إدارة بعض المرافق العامة الاقتصادية؛ وذلك من خلال بيع هذه المرافق إلى القطاع الخاص تحت لواء مصطلح الخصخصة التي كان لها الكثير من المساوئ بما يتجاوز إيجابياتها، ولاسيما حين تحولت من سياسة اقتصادية داخلية للدولة إلى سياسة اقتصادية خارجية فرضتها المؤسسات المالية الدولية ومنها البنك وصندوق النقد الدوليان على الدول وخصوصاً النامية منها، تحت قناع إعادة هيكلية اقتصاديات تلك الدول، لذلك فقد طُرحت حديثاً على بساط البحث ضرورة إيجاد بدائل إدارية وقانونية لنظام الخصخصة. وقد تجلت هذه البدائل بتحرير الاقتصاد أيضاً، ولكن هذه المرة ليس عن طريق الخصخصة وإنما من خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص، كأن تعهد الدولة للقطاع الخاص بإقامة أحد مشروعات البنية الأساسية أو المرافق العامة، وإدارة واستثمار تلك المرافق التي تحتفظ الدولة بملكيتها وتتحكم بتنظيمها، وتبقى المرافق، مرافق عامة، تخضع لرقابة وإشراف الدولة، لأجل ذلك فإن الدولة سوف تحتاج إلى جملة من الآليات والأساليب الإدارية والقانونية للقيام بتلك المهام، بما يكفل عدم إهدار رأس المال الوطني المتمثل بوجود هذه المرافق كثروة وطنية لا يمكن التنازل عنها من جهة وإيجاد ريعية اقتصادية فعالة تسهم في عملية التنمية الوطنية الشاملة من جهة أخرى. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الأزمات الاقتصادية والمالية في الحقبة الماضية التي دعت الدول إلى التدخل الواسع في الشأن الاقتصادي وتولي هذه الدول عبء النهوض بالمشروعات العملاقة والمرافق العامة بمفردها، فإن الأسباب والأزمات آنفة الذكر ذاتها قد جعلت الدول تتراجع عن احتكارها للقطاع العام، لتعود مرةً أخرى بأساليب متعددة بالتوجه نحو الشراكة مع القطاع الخاص في النهوض بعبء تلك المرافق. كما لا يخفى على الكثيرين بأن الدول قد استهدفت من وراء الاستعانة بالقطاع الخاص معالجة أوجه الخلل والقصور في بعض جهات القطاع العام؛ وذلك بغية رفع الكفاءة الإنتاجية والإدارية لمرافقها العامة عن طريق الإدارة الخاصة للمرافق العامة الاقتصادية التي تؤدي إلى زيادة درجة المنافسة بين الوحدات الإنتاجية، الأمر الذي يؤدي إلى التخلص من العناصر البشرية العاملة في المرافق العامة الذين لا يتمتعون بالكفاءة المطلوبة وظهور كوادر إدارية أكثر كفاءة. وفي سبيل ذلك فقد لجأت معظم الدول إلى تقنيات جديدة في مُسمّاها، قديمة في مفهومها وتطبيقاتها؛ ألا وهي تقنية تفويض إدارة المرافق العامة التي قد تتمثل بأحد أسلوبين؛ نظام الترخيص أو نظام التعاقد وصوره العديدة وأشهرها تلك المتمثلة بالتزام المرافق العامة. ولكن نظام التعاقد بالتزام المرافق العامة هذا قديم العهد يمتد بجذوره إلى القرن التاسع عشر؛ قد أعيد إنتاجه حديثاً بثوبٍ وتسميةٍ جديدين ألا وهي عقود الـ (B.O.T)، البي. أو. تي. وسماها البعض اختصاراً "البوت". والـ (B.O.T) هي اختصار للكلمات الإنكليزية Build, Operate and Transfer البناء والتشغيل والتحويل. فالتعاقد بنظام الـ (B.O.T) يعني أن تعهد الإدارة لأحد المتعاقدين المستثمرين من القطاع الخاص بإنشاء وتشغيل وإدارة مشروع من مشروعات البنية الأساسية (التحتية) أو مرفق عام مثل إقامة الطرق العامة والأنفاق والجسور والاتصالات ومصانع لإنتاج الطاقة والمشروعات السياحية... على نفقة المستثمر ومسؤوليته لمدة معينة متفق عليها وقيامه بتحصيل النفقات والمصروفات المدفوعة وتحقيق هامش معقول من الربح مما يستوفيه من المنتفعين كرسوم لقاء الخدمات المؤداة جراء تشغيل واستغلال ذلك المرفق تحت إشراف ورقابة الإدارة المانحة، ويقوم المستثمر المتعاقد في نهاية تلك المدة بإعادة المرفق بكامله إلى الإدارة بحالة جيدة وصالحاً للاستغلال. وقد لاقى هذا الأسلوب التعاقدي الـ (B.O.T) اليوم رواجاً ونجاحاً في كل دول العالم، ولاسيما بعد أن تبنَّتهُ المؤسسات المالية الدولية بمناسبة توجيهها للدول المختلفة عند إعادة هيكلة اقتصادياتها لمعالجة المشكلات المالية وأزمة المديونية المزمنة( ) . كما أن هذا النظام التعاقدي الجديد يحقق ميّزة كبرى تتمثل في عدم تحمل ميزانية الدولة لأية تكاليف لتمويل المشروع ولسداد القروض. والتعاقد بنظام الـ (B.O.T) ليس حديثاً فقد كان يُطلق عليه سابقاً تسمية الالتزام كما ذكرنا؛ فقد منحت مصر عدة التزامات من هذا القبيل، ومنها إقامة أول خط حديدي في أفريقيا بين الإسكندرية والسويس والقاهرة؛ وكان ذلك عام 1851 للمهندس الإنكليزي جورج ستفينون. كما عرف نظام "البوت" الـ (B.O.T) أو الالتزام في فرنسا منذ زمن بعيد، فهناك من يرجع ظهوره إلى القرن الثامن عشر وبالتحديد إلى عام 1782 عندما عهدت الحكومة الفرنسية إلى شركة (بيرييه إخوان) التزام توزيع المياه في العاصمة الفرنسية باريس، ثم انتشر هذا النظام في دول أوروبا خاصة بعد عام 1830 م في إسبانيا وإيطاليا وألمانيا..... وإذا كانت فرنسا تفتخر بأنها أول من ابتكرت وطبقت أسلوب الالتزام في إدارة واستثمار المرافق العامة فإن التجارب الأمريكية والبريطانية أثبتت فعاليتها في تطوير مفهوم الشراكة العامة والخاصة Public - Private - Partnership،P.P.P الذي وجدت فيه خير وسيلة للحد من الأعباء المالية والمبالغة في النفقات. وسوف نقوم في هذه الدراسة بالتطرق لبعض مفاهيم نظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص وما ينضوي تحتها من تقنية تفويض إدارة المرافق العامة في فرنسا في ضوء التطورات التشريعية والقضائية الحديثة؛ إذ تعد فرنسا مهد هذه التقنية ومصدرها، ولاسيما من خلال قانون سابان الفرنسي (SAPAN) الشهير رقم 122 لعام 1993 الذي وضع قواعد تنظيم وأسس العمل وفقاً لتقنية تفويض تلك المرافق. وسوف نحاول التطرق لتقنية التفويض ذاتها في كل من فرنسا ومصر وسوريا وأحياناً في بعض الدول التي تبنت هذه التقنية، وبالرغم من عدم انتشار هذه التسمية في الكثير من الدول فإن ذلك لا يعني عدم معرفة الفكرة ذاتها. ونخلص إلى القول: بأنَّ هذا الكتاب يأتي ليعالج المشاكل التي يثيرها تدخل القطاع الخاص في إدارة المرافق العامة الاقتصادية، حيث يتطرقً في البداية إلى تطور تجربة المرافق العامة، وإلى الأساس القانوني الذي قامت عليه التجارب المعاصرة لإدارة المرافق العامة الاقتصادية وهو أساس عقدي يقوم على المنظومة القانونية للعقود الإدارية. كما يتطرق إلى التقنية العقدية الأساسية التي استخدمت في فرنسا خصوصاً لإدارة المرافق العامة الاقتصادية في وقتنا الحالي، والمتمثلة في عقود تفويض المرافق العامة، وذلك من حيث بيان مفهومها والأساليب الأفضل لإبرامها ومما يؤمن أعلى درجات الشفافية في هذه المرحلة، وكذلك من حيث القواعد القانونية التي تحكم تنفيذها. وإضافة إلى ما تقدم يعالج هذا الكتاب الأسلوب الأكثر شيوعاً لتفويض المرافق العامة والمتمثل في عقود البناء والتشغيل والتحويل (B.O.T)، والذي لاقى شيوعاً وانتشاراً في سوريا والعالم العربي منذ منتصف تسعينيات القرن العشرين. فيدرس ماهيته وكيفية إبرامه، وهيكليته التمويلية، والإشكاليات المتعلقة بتنفيذه. وقد اتّبعتُ في هذا المؤلَّف منهجاً معيّناً، حيث تم بموجبه معالجة مقولات هذا البحث في فلك المنهج المقارن بين عدة أنظمة قانونية هي السائدة في سوريا ومصر وفرنسا، كما اتّبعتُ منهجاً تحليلياً قام على الاستقراء والاستنباط الموفقين، وكان غزيراً في مادته العلمية، والتركيز على الأمانة العلمية في التعامل معها، وهو الأمر الذي أدى إلى إيجاد نتائج هامة جداً مفيدة على المستويين التأصيلي والعملي. ولابد من الإشارة إلى أن أصل هذا الكتاب هو رسالة ماجستير بعنوان دور القطاع الخاص في إدارة المرافق العامة الاقتصادية، قمتُ بإعدادها طوال سنوات عدة مليئة بالمتابعة والعمل الدقيق والدؤوب لنيل درجة الماجستير في الإدارة و القانون العام، وقمتُ بمناقشتها في جامعة دمشق عام 2010، وقد نالت درجة الامتياز مع التوصية بالتبادل مع الجامعات الأخرى العربية والأجنبية، وقد لجأتُ إلى تطويرها و إجراء التعديلات والإضافات الشكلية والموضوعية وفقاً لما تقتضيه ضرورات نشر هذا الكتاب.

 
:الفهرس