الضرر في جريمة التزوير - دراسة مقارنة

ISBN 9789957642952
الوزن 0.900
الحجم 17×24
الورق ابيض
الصفحات 384
السنة 2020
النوع مجلد

إن حظر مطلق الكذب قاعدة خلقية لا قانونية، والقاعدة أن القانون لا يعاقب على مطلق الكذب في ذاته، فالمشرع لا يتدخل بالتجريم لحماية كل مصلحة اجتماعية، أو كل خلق اجتماعي، وإنما يتوقف ذلك على مدى المساس بالمصالح الأساسية لبقاء المجتمع واستقراره، ومتى تم تحديد المصلحة محل الحماية الجنائية أمكن حينئذ تحديد الأفعال التي تندرج تحت النص التجريمي والتي تتصف بعدم المشروعية لاعتدائها على المصلحة المحمية، كما أن استخلاص المصلحة القانونية له أهمية باعتبارها المعيار الذي يمكن من خلاله تجميع الجرائم التي تهدف إلى حماية مصلحة واحدة من جوانبها المختلفة، وبالتالي تحديد الأركان المشتركة في الجرائم التي تشكل اعتداء على مصلحة قانونية واحدة، وبيان الحد الفاصل بين جريمة التزوير وبين الكذب المكتوب الذي لا يعد تزويراً وبالتالي لا يستوجب عقاباً مسألة لا تخلو من الصعوبة، والتي سنحاول من خلال رسالتنا تبديد غوامض هذا الإشكال. وقد نص قانون العقوبات الأردني على جرائم التزوير في المواد من (260 إلى 272) من الفصل الثاني من الباب الخامس منه تحت عنوان " الجرائم المخلة بالثقة العامة"، في حين تناول جرائم تقليد ختم الدولة والعلامات الرسمية والبنكنوت والطوابع في (المواد 236 إلى 259) من الفصل الأول من ذات الباب، وهذا يعني أن من بين المصالح القانونية التي حماها المشرع بأكثر من نص قانوني هي الثقة العامة، تلك الثقة التي يضعها المجتمع في مختلف المظاهر الضرورية لاستقرار العلاقات والروابط الاجتماعية، وهذه الثقة لازمة لضمان سلامة وصحة هذه المظاهر وصدق ما تحويه من أعمال، ولهذا السبب تعتبر الثقة العامة علة التجريم أو حكمته في الجرائم التي تقع على هذه الثقة باعتبارها المصلحة التي يستهدف المشرع حمايتها، بغض النظر عن هدف مرتكب الكذب، وسواء تحقق هذا الهدف أم لا. على أنه إذا كانت صور الاعتداء على الثقة العامة يجمع بينها وحدة الوسيلة أو الأسلوب الذي ترتكب به، وتقوم على الكذب وتغيير الحقيقة بصفة عامة، إلا أنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام تبعاً لارتكابها وذلك بالقول أو الفعل أو الكتابة، ويدخل في القسم الأول شهادة الزور واليمين الكاذبة، أما القسم الثاني فيدخل فيها تقليد ختم الدولة والعلامات الرسمية والبنكنوت والطوابع، أما القسم الثالث فتشمل التزوير في المحررات. وإذا كانت الثقة العامة هي المصلحة المحمية بالعقاب على التزوير الذي يشكل اعتداء عليها، فإنه لا بد من بيان المحل المادي الذي يرد عليه التزوير وبيان طرقة، وبمطالعة نصوص قانون العقوبات الأردني نجد أن المشرع الاردني قد عرف التزوير في المحررات في المادة 260 من قانون العقوبات، وبين أن المحرر هو موضوع التزوير، فهو موطن الحماية التي يقررها القانون بالعقاب على التزوير، ذلك أن فحواه هو الحقيقة التي يريد حمايتها، وهو الموضوع الذي ينصب عليه فعل تغيير الحقيقة بإحدى طرقه التي حددها القانون، إذ إنه وحرصاً من المشرع على وضع الحدود المعقولة للتزوير التي تقتضيها المصلحة الاجتماعية، فقد حدد طرق التزوير على سبيل الحصر في المادتين 262 و263 من ذات القانون، وهذا يعني انه لا تقوم جريمة التزوير إلا إذا وقع تغيير الحقيقة باحدى الطرق المنصوص عليها قانوناً، سواء وقع التزوير في المحررات العادية أم في المحررات الرسمية، كما أن التزوير قد يكون مادياً أو معنوياً، لذا كان لزاماً علينا تناول البنيان القانوني لجريمة التزوير للتعرف على طبيعة هذه الجريمة وبيان أركانها، وتمييزها عن الجرائم التي قد تشتبه بها، كتلك الجرائم التي تقوم على أساس تغيير الحقيقة بالقول أو الفعل. أما الضرر في جريمة التزوير ــ وهو جوهر بحثنا ــ فقد أثار جدلاً كبيراً في الفقه، وهو من الأفكار الغامضة في قانون العقوبات، ومن الصعب تحديد مفهوم الضرر، ويرجع ذلك إلى الخلط الشائع بين فكرة النتيجة والضرر، وفي إطار الحديث عن النتيجة الجرمية فإنه يمكن التمييز بين مفهومين؛ أحدهما تصور النتيجة الجرمية على أنها حالة واقعية، وثانيهما تبرزها على أنها حقيقة قانونية، لذا فإنه يتعين علينا تحديد العلاقة بين الضرر والنتيجة مع الإشارة إلى موضع الضرر في قانون العقوبات. وإذا استعرضنا نصوص التجريم في هذا المجال نجد أنها لا تحمي الحقيقة لذاتها؛ وإنما لما ينجم عن تغييرها من ضرر؛ وذلك حتى لا يمتد القانون بالعقاب إلى مجرد الكذب العادي كما أسلفنا القول، وتحديد الضرر يثير مشكلة جوهرية حول موضعه في النموذج القانوني للجريمة، فإذا كانت صور التزوير غير معاقب عليها إلا إذا ترتب عليها ضرر، إلا أنه ومع ذلك فقد اختلفت الآراء بشأن تحديد التكييف القانوني لهذا الضرر، هل هو ركن قائم بذاته في الجريمة، أم عنصر في ركنها المادي، أي الأثر المترتب على الفعل الذي تقوم به الجريمة، أم أنه شرط عقاب على هذه الجريمة، أم أن الضرر عنصر في القصد الخاص في جريمة التزوير، وبالإضافة لصعوبة تحديد موضع الضرر فإنه متنوع من حيث قوته، فالضرر قد يكون حقيقياً، وقد يكون محتمل الوقوع، وقد يتوافر الضرر وقد لا يتوافر نهائياً. أضف إلى ذلك فإن للضرر في جريمة التزوير مفهوم مميز عن الضرر بمفهومه في القانون المدني، فقانون العقوبات لا يقتصر على سن الجزاء على الإخلال بالالتزامات التي يرتبها القانون المدني بل يخلق هو أيضاً التزامات ويحدد مفهومها، فكل من القانونيين مستقل عن الآخر ولكل منهما مفهومه الخاص عن الضرر، فقانون العقوبات فرع من فروع القانون العام وهو يعنى بالضرر الذي تصاب به المصلحة الاجتماعية، ويقرر تبعاً لذلك العقوبة المناسبة، متى بلغ الضرر درجة معينة من الخطورة، تستشف من نصوص التحريم ذاتها، بينما يرعى القانون المدني بوصفه فرعاً من فروع القانون الخاص المصالح الفردية ويركز اهتمامه على الضرر الذي ينال منها إلا أنها قد تتعدد وتتنوع المسؤولية المدنية، أضف إلى ذلك فإن الضرر الفردي الذي ينجم عن ايذاء المصلحة المحمية جنائياً تصيب المجني عليه فقط، في حين أن من الممكن في القانون المدني أن تمتد إلى ورثة المضرور والواقع أن العقاب على التزوير يهدف إلى منع ضرر مزدوج، أما الأول فهو ضرر ثابت يتضمن اعتداء مباشراً على الثقة العامة، وهو أساس قانوني للجرائم، ويتطابق مع النتيجة القانونية، أما الثاني، فهو ضرر متغير، وهو الضرر الواقعي، ويتضمن اعتداء غير مباشر، يصيب المصالح المختلفة للدولة أو الفرد، وبالاستناد إليه يمكن تمييز الضرر المادي أو المعنوي، والضرر الفردي أو الاجتماعي، وحول هذه الصور من الضرر تثار كل الصعوبات النظرية والعملية التي تثيرها فكرة الضرر في تزوير المحررات؛ لذا فإننا سنفرد الفصل الأول من هذه الرسالة لبحث ذاتية الضرر في جريمة التزوير. وبسبب الخلاف حول مفهوم الضررفقد ثار الخلاف حول بعض الموضوعات بشأن اعتبارها تزويراً؛ ومن أهمها الصورية في المحررات، فالصورية هي كل تغيير للحقيقة بالاتفاق بين المتعاقدين، يراد به الإيهام بوجود عقد لا وجود له، فجوهر الصورية هو التعارض بين ما اتجهت اليه إرادة أطراف العقد، وما أظهراه للغير، وبالتالي فإن التساؤل الذي يثور في هذا الصدد هو هل يعد هذا التغيير تزويراً يعاقب عليه القانون؟

الصفحةالموضوع
15 الملخص
17 المـقـدمة
الفصل التمهيدي
البنيان القانوني لجريمة التزوير
37 المبحث الأول: النموذج القانوني لجريمة التزوير
39 المطلب الأول: الركن المادي (النشاط الإجرامي)
42 الفرع الأول: مفهوم تغيير الحقيقة
47 الفرع الثاني: مساس تغيير الحقيقة بالمركز القانوني للغير
52 المطلب الثاني: محل التزوير (المحرر)
53 الفرع الأول: مفهوم المحرر
61 الفرع الثاني: أنواع المحررات
84 المطلب الثالث: الركن المعنوي في التزوير
85 الفرع الأول: ماهية الركن المعنوي
89 الفرع الثاني: القصد الجرمي في التزوير
95 المبحث الثاني: طرق التزوير وتمييزه عما يشتبه به من جرائم
95 المطلب الأول: التزوير المادي
96 الفرع الأول: إساءة استعمال إمضاء أو ختم أو بصمة
103 الفرع الثاني: صنع صك أو مخطوط
106 الفرع الثالث: إتلاف السند كلياً أو جزئياً
115 المطلب الثاني: التزوير المعنوي
118 الفرع الأول: طرق التزوير المعنوي
123 الفرع الثاني: التزوير بانتحال الشخصية أو الاسم
125 الفرع الثالث: التزوير بالترك
127 المطلب الثالث: تمييز جريمة تزوير المحررات عما يشتبه بها من جرائم
127 الفرع الأول: جريمة تزوير المحررات وجريمة استعمال المزور
137 الفرع الثاني: جريمة تزوير المحررات وجرائم شهادة الزور واليمين الكاذبة
140 الفرع الثالث: التزوير والاحتيال (النصب) والتغرير
146 الفرع الرابع: جريمة تزوير المحررات وجريمة الافتراء
الفصل الأول
ذاتية الضرر في جريمة التزوير
153 المبحث الأول: الضرر كنتيجة في المسؤولية المدنية والجزائية
153 المطلب الأول: الضرر في المسؤولية المدنية
153 الفرع الأول: الضرر ركن في المسؤولية المدنية
160 الفرع الثاني: أنواع الضرر
171 المطلب الثاني: فكرة النتيجة الجرمية
172 الفرع الأول: المضمون المادي للنتيجة الجرمية
178 الفرع الثاني: المضمون القانوني للنتيجة الجرمية
182 المطلب الثالث: تخلف النتيجة الجرمية
184 الفرع الأول: الشروع في الجريمة
193 الفرع الثاني: الشروع في التزوير
197 المبحث الثاني: الضرر في قانون العقوبات
197 المطلب الأول: موضع الضرر في البنيان القانوني لجريمة التزوير
199 الفرع الأول: نطاق الضرر
214 الفرع الثاني: قوة الضرر
228 المطلب الثاني: التحليل القانوني للمصلحة المحمية في نصوص التزوير
229 الفرع الأول: الثقة العامة في المحررات
232 الفرع الثاني: المصلحة الخاصة
235 الفرع الثالث: المصلحة المحمية في الأسناد الرسمية
249 الفرع الرابع: التزوير في المحررات العادية
253 المطلب الثالث: علاقة الضرر بالقصد الخاص في جريمة التزوير
254 الفرع الأول: القصد الخاص في التزوير
263 الفرع الثاني: الدافع
الفصل الثاني
الخلاف الفقهي حول مفهوم الضرر في التزوير
270 المبحث الأول: تطبيقات حول الخلاف الفقهي حول مفهوم الضرر
270 المطلب الأول: الضرر في المحررات الصورية
270 الفرع الأول: مفهوم الصورية
272 الفرع الثاني: حكم تغيير الحقيقة الذي تم في حالات الصورية
279 المطلب الثاني: الضرر في تزوير المحررات الباطلة
279 الفرع الأول: بطلان الأسناد الرسمية
280 الفرع الثاني: بطلان المحررات العادية
283 الفرع الثالث: الصلة بين البطلان والضرر
286 المبحث الثاني: ضابط الضرر
288 المطلب الأول: المعيار الغائي (قوة المحرر في الإثبات)
288 الفرع الأول: نظرية دوند يودي فابر
291 الفرع الثاني: نظرية جارو
298 المطلب الثاني: تقدير نظرية جارو وموقف القضاء منها
299 الفرع الأول: تقدير نظرية جارو
303 الفرع الثاني: موقف القضاء من نظرية جارو
318 الفرع الثالث: تطبيق ضابط الضرر على انتحال المتهم شخصية غيره
321 المبحث الثالث: وقوع الضرر شرط للإدانة بالتزوير
321 المطلب الأول: اثبات توافر الضرر
321 الفرع الأول: وقت تقدير الضرر
323 الفرع الثاني: انتفاء الضرر
328 الفرع الثالث: اثبات التزوير
334 المطلب الثاني: دعوى التزوير أمام القضاء الجزائي
334 الفرع الأول: إجراءات دعوى التزوير أمام القضاء الجزائي
338 الفرع الثاني: وقف السير في دعوى الأساس
343 المطلب الثالث: دعوى التزوير أمام القضاء المدني
344 الفرع الأول: دعوى التزوير الأصلية
347 الفرع الثاني: دعوى التزوير الفرعية
349 الفرع الثالث: بيانات حكم الإدانة في التزوير
353 الخاتمة
371 المراجع
القانون     الجنائي الضرر في جريمة التزوير - دراسة مقارنة
 
اضافة الكتاب الى سلة المشتريات
  الكمية:
حذف الكتاب:
   
   
 
 
انهاء التسوق
استمر بالتسوق
9789957642952 :ISBN
الضرر في جريمة التزوير - دراسة مقارنة :الكتاب
د. أحمد علي العماوي :المولف
0.900 :الوزن
17×24 :الحجم
ابيض :الورق
384 :الصفحات
2020 :السنة
مجلد :النوع
$25 :السعر
 
:المقدمة

إن حظر مطلق الكذب قاعدة خلقية لا قانونية، والقاعدة أن القانون لا يعاقب على مطلق الكذب في ذاته، فالمشرع لا يتدخل بالتجريم لحماية كل مصلحة اجتماعية، أو كل خلق اجتماعي، وإنما يتوقف ذلك على مدى المساس بالمصالح الأساسية لبقاء المجتمع واستقراره، ومتى تم تحديد المصلحة محل الحماية الجنائية أمكن حينئذ تحديد الأفعال التي تندرج تحت النص التجريمي والتي تتصف بعدم المشروعية لاعتدائها على المصلحة المحمية، كما أن استخلاص المصلحة القانونية له أهمية باعتبارها المعيار الذي يمكن من خلاله تجميع الجرائم التي تهدف إلى حماية مصلحة واحدة من جوانبها المختلفة، وبالتالي تحديد الأركان المشتركة في الجرائم التي تشكل اعتداء على مصلحة قانونية واحدة، وبيان الحد الفاصل بين جريمة التزوير وبين الكذب المكتوب الذي لا يعد تزويراً وبالتالي لا يستوجب عقاباً مسألة لا تخلو من الصعوبة، والتي سنحاول من خلال رسالتنا تبديد غوامض هذا الإشكال. وقد نص قانون العقوبات الأردني على جرائم التزوير في المواد من (260 إلى 272) من الفصل الثاني من الباب الخامس منه تحت عنوان " الجرائم المخلة بالثقة العامة"، في حين تناول جرائم تقليد ختم الدولة والعلامات الرسمية والبنكنوت والطوابع في (المواد 236 إلى 259) من الفصل الأول من ذات الباب، وهذا يعني أن من بين المصالح القانونية التي حماها المشرع بأكثر من نص قانوني هي الثقة العامة، تلك الثقة التي يضعها المجتمع في مختلف المظاهر الضرورية لاستقرار العلاقات والروابط الاجتماعية، وهذه الثقة لازمة لضمان سلامة وصحة هذه المظاهر وصدق ما تحويه من أعمال، ولهذا السبب تعتبر الثقة العامة علة التجريم أو حكمته في الجرائم التي تقع على هذه الثقة باعتبارها المصلحة التي يستهدف المشرع حمايتها، بغض النظر عن هدف مرتكب الكذب، وسواء تحقق هذا الهدف أم لا. على أنه إذا كانت صور الاعتداء على الثقة العامة يجمع بينها وحدة الوسيلة أو الأسلوب الذي ترتكب به، وتقوم على الكذب وتغيير الحقيقة بصفة عامة، إلا أنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام تبعاً لارتكابها وذلك بالقول أو الفعل أو الكتابة، ويدخل في القسم الأول شهادة الزور واليمين الكاذبة، أما القسم الثاني فيدخل فيها تقليد ختم الدولة والعلامات الرسمية والبنكنوت والطوابع، أما القسم الثالث فتشمل التزوير في المحررات. وإذا كانت الثقة العامة هي المصلحة المحمية بالعقاب على التزوير الذي يشكل اعتداء عليها، فإنه لا بد من بيان المحل المادي الذي يرد عليه التزوير وبيان طرقة، وبمطالعة نصوص قانون العقوبات الأردني نجد أن المشرع الاردني قد عرف التزوير في المحررات في المادة 260 من قانون العقوبات، وبين أن المحرر هو موضوع التزوير، فهو موطن الحماية التي يقررها القانون بالعقاب على التزوير، ذلك أن فحواه هو الحقيقة التي يريد حمايتها، وهو الموضوع الذي ينصب عليه فعل تغيير الحقيقة بإحدى طرقه التي حددها القانون، إذ إنه وحرصاً من المشرع على وضع الحدود المعقولة للتزوير التي تقتضيها المصلحة الاجتماعية، فقد حدد طرق التزوير على سبيل الحصر في المادتين 262 و263 من ذات القانون، وهذا يعني انه لا تقوم جريمة التزوير إلا إذا وقع تغيير الحقيقة باحدى الطرق المنصوص عليها قانوناً، سواء وقع التزوير في المحررات العادية أم في المحررات الرسمية، كما أن التزوير قد يكون مادياً أو معنوياً، لذا كان لزاماً علينا تناول البنيان القانوني لجريمة التزوير للتعرف على طبيعة هذه الجريمة وبيان أركانها، وتمييزها عن الجرائم التي قد تشتبه بها، كتلك الجرائم التي تقوم على أساس تغيير الحقيقة بالقول أو الفعل. أما الضرر في جريمة التزوير ــ وهو جوهر بحثنا ــ فقد أثار جدلاً كبيراً في الفقه، وهو من الأفكار الغامضة في قانون العقوبات، ومن الصعب تحديد مفهوم الضرر، ويرجع ذلك إلى الخلط الشائع بين فكرة النتيجة والضرر، وفي إطار الحديث عن النتيجة الجرمية فإنه يمكن التمييز بين مفهومين؛ أحدهما تصور النتيجة الجرمية على أنها حالة واقعية، وثانيهما تبرزها على أنها حقيقة قانونية، لذا فإنه يتعين علينا تحديد العلاقة بين الضرر والنتيجة مع الإشارة إلى موضع الضرر في قانون العقوبات. وإذا استعرضنا نصوص التجريم في هذا المجال نجد أنها لا تحمي الحقيقة لذاتها؛ وإنما لما ينجم عن تغييرها من ضرر؛ وذلك حتى لا يمتد القانون بالعقاب إلى مجرد الكذب العادي كما أسلفنا القول، وتحديد الضرر يثير مشكلة جوهرية حول موضعه في النموذج القانوني للجريمة، فإذا كانت صور التزوير غير معاقب عليها إلا إذا ترتب عليها ضرر، إلا أنه ومع ذلك فقد اختلفت الآراء بشأن تحديد التكييف القانوني لهذا الضرر، هل هو ركن قائم بذاته في الجريمة، أم عنصر في ركنها المادي، أي الأثر المترتب على الفعل الذي تقوم به الجريمة، أم أنه شرط عقاب على هذه الجريمة، أم أن الضرر عنصر في القصد الخاص في جريمة التزوير، وبالإضافة لصعوبة تحديد موضع الضرر فإنه متنوع من حيث قوته، فالضرر قد يكون حقيقياً، وقد يكون محتمل الوقوع، وقد يتوافر الضرر وقد لا يتوافر نهائياً. أضف إلى ذلك فإن للضرر في جريمة التزوير مفهوم مميز عن الضرر بمفهومه في القانون المدني، فقانون العقوبات لا يقتصر على سن الجزاء على الإخلال بالالتزامات التي يرتبها القانون المدني بل يخلق هو أيضاً التزامات ويحدد مفهومها، فكل من القانونيين مستقل عن الآخر ولكل منهما مفهومه الخاص عن الضرر، فقانون العقوبات فرع من فروع القانون العام وهو يعنى بالضرر الذي تصاب به المصلحة الاجتماعية، ويقرر تبعاً لذلك العقوبة المناسبة، متى بلغ الضرر درجة معينة من الخطورة، تستشف من نصوص التحريم ذاتها، بينما يرعى القانون المدني بوصفه فرعاً من فروع القانون الخاص المصالح الفردية ويركز اهتمامه على الضرر الذي ينال منها إلا أنها قد تتعدد وتتنوع المسؤولية المدنية، أضف إلى ذلك فإن الضرر الفردي الذي ينجم عن ايذاء المصلحة المحمية جنائياً تصيب المجني عليه فقط، في حين أن من الممكن في القانون المدني أن تمتد إلى ورثة المضرور والواقع أن العقاب على التزوير يهدف إلى منع ضرر مزدوج، أما الأول فهو ضرر ثابت يتضمن اعتداء مباشراً على الثقة العامة، وهو أساس قانوني للجرائم، ويتطابق مع النتيجة القانونية، أما الثاني، فهو ضرر متغير، وهو الضرر الواقعي، ويتضمن اعتداء غير مباشر، يصيب المصالح المختلفة للدولة أو الفرد، وبالاستناد إليه يمكن تمييز الضرر المادي أو المعنوي، والضرر الفردي أو الاجتماعي، وحول هذه الصور من الضرر تثار كل الصعوبات النظرية والعملية التي تثيرها فكرة الضرر في تزوير المحررات؛ لذا فإننا سنفرد الفصل الأول من هذه الرسالة لبحث ذاتية الضرر في جريمة التزوير. وبسبب الخلاف حول مفهوم الضررفقد ثار الخلاف حول بعض الموضوعات بشأن اعتبارها تزويراً؛ ومن أهمها الصورية في المحررات، فالصورية هي كل تغيير للحقيقة بالاتفاق بين المتعاقدين، يراد به الإيهام بوجود عقد لا وجود له، فجوهر الصورية هو التعارض بين ما اتجهت اليه إرادة أطراف العقد، وما أظهراه للغير، وبالتالي فإن التساؤل الذي يثور في هذا الصدد هو هل يعد هذا التغيير تزويراً يعاقب عليه القانون؟

 
:الفهرس