يعتمد نجاح الجهاز الإداري في الدولة على عدة عوامل، أهمها التزام الموظف العام بواجباته الوظيفية وتحليه بالنزاهة والأمانة في إطار التشريعات المنظمة للوظيفة العامة، كذلك الحال بالنسبة للقطاع الخاص، حيث يلتزم العمال بتحقيق أهداف المنشأة التي يعملون فيها ويلتزمون بنظامها الداخلي والقرارات الصادرة عن الإدارة بهدف تنظيم العمل داخل المنشأة. لذلك اهتم المشرع الإداري بوضع أنظمة تأديبية تضمن توقيع الجزاءات المناسبة على كل موظف عام يخرج على مقتضيات الواجب الوظيفي، وتمر الإجراءات التأديبية بمرحلتين هما: مرحلة التحقيق الإداري ومرحلة المحاكمة التأديبية، ويلي ذلك رخصة التظلم من القرار التأديبي وإمكان الطعن فيه أمام القضاء الإداري. وتهتم هذه الدراسة بمرحلة التحقيق الإداري باعتباره مجموعة من الإجراءات القانونية والإدارية التي تهدف إلى التنقيب عن الأدلة للوقوف على حقيقة الاتهامات المسندة إلى الموظف، وتحديد التكييف القانوني لها ومدى توافر عناصر المسؤولية التأديبية لإحالته إلى المحاكمة التأديبية وفق القانون. ويوازن المحقق الإداري بين سلطته التحقيقة التي يستمدها من سلطة الدولة في إدارة جهازها الإداري وضمانات الدفاع التي يتمتع بها الموظف العام وفق التشريعات الإدارية ووفق المعايير الوطنية والدولية لحقوق الإنسان. وقد أُعدّت هذه المادة لتكون منهاجاً دراسياً في كليات الحقوق، والعلوم الأمنية، والعلوم الإدارية، وكذلك كمساق تدريبي على مهارات التحقيق الإداري للموظفين العاميين وجهات الرقابة الإدارية والمالية والنيابات الإدارية والمحامين والمدققين الداخليين وأعضاء مجالس الإدارة ومدراء الشركات الخاصة والمنظمات غير الربحية والمعنيين بموضوع الدراسة. وقد روعي تدعيم المنهاج بالفقه القانوني الغربي الفرنسي وعدد من التشريعات الإدارية العربية المقارنة، وكذلك اعتمد الفصلان الثاني والثالث من المنهاج على الإجراءات العملية اللازمة للتحقيق الإداري الناجح، واستشهدا بعدد من النماذج الكتابية اللازمة لعمل المحقق، وطرحا مسائل منوعة للمخالفات الإدارية ثم أتبعاها بنماذج عملية يمكن أن يستعين بها المدربون لمساق التحقيق الإداري.