قبل خمس وأربعين عاما، وعلى وجه التحديد في أواسط سنة 1960، أصدرت كتابي الأول (النظرية العامة للتأمين). وكنت حينذاك معاونا للمدير العام للشؤون الفنية في شركة التأمين الوطنية الحكومية، ومحاضرا لمادة التأمين في معهد المحاسبة العالي. وكان ذلك الكتاب أول كتاب يصدر في العراق في موضوع التأمين ويتناول شرحه وتوضيح جوانبه الفنية والقانونية. وقد لاقى خلافا لتوقعاتي، رواجا منقطع النظير إذ نفذت جميع نسخه خلال فترة قياسية قصيرة. ولعل السبب الأساس في هذا الرواج، هو رغبة العاملين في حقل التأمين، في الاطلاع على القواعد النظرية الفنية والقانونية التي تتحكم في سير عجلة هذا النظام، والتي لم تتيسر لهم معرفتها بسبب قلة المصادر العربية في ذلك الوقت، واقتصار غالبية الموجود منها على شرح الجانب القانوني المتمثل بعقد التأمين دون التقرب من جوانبه الفنية المعقدة. وعلى الرغم من الطلبات الكثيرة التي تلقيتها لإعادة طبع ذلك الكتاب، إلا أنني آثرت التريث بعض الوقت كي يتسنى لي إعداد مؤلف آخر يختلف أُسلوبا وتنسيقا وتبويبا عن سابقه. يتناول شرحا أكثر عمقا وتفصيلا للجوانب النظرية والتطبيقية لهذا النظام، وإبراز طبيعة العلاقة القانونية بين المؤمن والمؤمن لهم، والتي ترتكز عليها ديناميكية عمله، معتمدا في ذلك على شروط وثائق التأمين المستندة إلى نصوص القانون الإنجليزي الوضعي والقواعد العرفية للقانون الإنجليزي العام (The Common Law)، ومقارنا ذلك بما نصت عليه القوانين العراقية والمصرية والسورية واللبنانية والأردنية كمثل للتشريع العربي بهذا الخصوص. وداعما البحث بالأحكام الصادرة عن دور القضاء والتي تتناول تفسير الشروط التي يقوم على أساسها نظام التأمين، والشكليات الملازمة لإبرام عقوده وتنفيذ آثار هذه العقود. كي يتعرف القارئ على اتجاه القضاء العراقي والعربي في قبول أو رفض القواعد التي استقر عليها التعامل في سوق التأمين الإنجليزي، والمستمدة من أحكام القانون الإنجليزي، والتي توارثتها أسواق التأمين الأخرى، ومنها سوق التأمين العراقي وأسواق التأمين العربية، وضمنتها في وثائق التأمين المعتمدة من قبلها. والآن، وبعد اكتسابي الخبرة التطبيقية نتيجة ممارستي المحاماة مدة تزيد على الأربعين عاما، كمحامٍ متخصص في قضايا التأمين، و خبير أمام القضاء، و عضو في العديد من هيئات التحكيم أو رئيس لها، وبعد أن عاود سوق التأمين العراقي نشاطه السابق، بالسماح للقطاع الخاص بتأسيس شركات تأمين خاصة، أجد أن الوقت أصبح ملائما، لإعداد هذا المؤلف، كي أمد العاملين في حقل التأمين والمهتمين به، بحصيلة خبرتي النظرية والعملية في هذا الحقل.