حقوق الانسان

ISBN 9789923152874
الوزن 0.600
الحجم 17×24
الورق ابيض
الصفحات 216
السنة 2025
النوع مجلد

$ 17.5

لم يبدأ الكلام عن الحقوق ولم يبدأ تدوينها، إلا بعد نشوء المجتمعات، وبخاصة بعد تكوّن المدن، وذلك لأن الحاجة إلى تنظيم تلك المجتمعات، فرضت نفسها من مختلف النواحي، والتنظيم يقتضي مراعاة جانبين: الأول يتعلق بالحفاظ على الامن والاستقرار ومنع الفوضى، والثاني يتعلق بمراعاة مصالح وحقوق الأفراد فيه، وقد بقي هاجس الأمن وحماية المجتمع، لمدة طويلة من الزمن، هو المسيطر على حساب حقوق الناس، بل إننا يمكن أن نلحظ مسارين رئيسين حكما تفكير البشر وأنتجا ثقافته ومعارفه عبر مراحل التاريخ المختلفة: مسار تأييد الظلم وتبريره ورفعه الى مرتبة القداسة، ومسار رفض الظلم والتشكيك به ونزع القداسة عنه. لكن الظلم الذي ترافق مع فساد الحكام وأنانيتهم وعدم مبالاتهم بحقوق الناس في جانب، وتطور وعي الناس وزيادة إحساسهم بقيمتهم بفضل مفكرين تجرأوا على واقع العبودية والمعاناة في جانب آخر، أدى إلى التغير في التفكير ومن ثم في السلوك وصولاً إلى التمرد الذي طال العلاقات القائمة على الاستعباد، ومن ثم فرض مراعاة حقوق الإنسان في صلب العلاقة بين الحاكم والمحكوم والتي تجلت من خلال إقرار بعض المواثيق التي شكلت تحولاً كبيراً في مجال حقوق الإنسان. إن موضوع حقوق الإنسان من المواضيع الهامة جداً، وهو يشغل بال الأفراد والجماعات والدول، فهو هدف بحد ذاته تسعى شعوب العالم إلى تحقيقه والتمتع بمضمونه في حياتها العملية، وإذا كان يظهر في الجدل الفكري اختلاف في وجهات النظر حول جدوى الحقوق، فإن هذا الجدل في جوهره، جدل بين وجهة نظر تعبر عن مكاسب وامتيازات ومصالح فئات مسيطرة، وأخرى تعبر عن حقوق المحكومين، فلا يمكن لإنسان طبيعي يتمتع بالوعي ويحكِّم عقله، أن يرفض ممارسة حريته ويختار العبودية والانقياد، ولا يمكن له أن يقبل أن يكون مهاناً بلا كرامة، ولا يمكن أن تنجح أيديولوجيا تقوم على أساس التنكر للحرية والكرامة الإنسانية. قد تتعارض حقوق الإنسان مع بعض الجوانب في أيديولوجيا أو عقيدة معينة، لكن ذلك هو في الواقع أثر لسيطرة فكر السلطة، وذلك لأنه ما من عقيدة أو أيديولوجيا إلا وتنشد رضى المخاطبين بها، ولا يمكنها أن تنال رضاهم إلا اذا كان فيها احترام لكراماتهم وتحقيق لمصالحهم ومراعاة لحقوقهم. أما ما يظهر من تناقض بين الأيديولوجيا وحقوق الإنسان فإن له علاقة بجانبين: الأول يتعلق بالتعصب والتطرف، الذي يظهر في ممارسة جماعات تنتمي إلى عقيدة أو دين أو فكر معين، والناجم عن استقرار السيطرة وتمكنها وتمددها، والذي يؤدي بالضرورة إلى العنصرية التي تظهرها هذه الجماعات تجاه الآخر المختلف الذي ينتمي إلى عقيدة أو دين أو فكر آخر، وفي هذا الجانب فإن المتعصب كما العنصري يرى مكاسبه حقوق واجبه على الآخرين بينما حقوق اللآخرين عدوان وخرق لحقوقه. والثاني يرجع إلى التوظيف السياسي لفكرة حقوق الإنسان واستخدامها في الصراع السياسي من أجل النفوذ والسيطرة. لقد سيطر على التفكير، بعد الحرب العالمية الثانية، فيما يخص حقوق الإنسان فكرة أن تلافي الحرب وبناء السلام بين الأمم غير ممكن من دون تشجيع احترام حقوق الإنسان وتعزيزها وهو ما تبناه ميثاق الأمم المتحدة 1945. لكن على الرغم من الاتفاق على عمومية هذه الفكرة إلا أن نقلها إلى حيز الوجود تطلب جهوداً كبيرة، وطبع المرحلة اللاحقة تيارين رئيسيين: التيار التي تقوده الولايات المتحدة الذي يعظم الفردية ويعطي الأولوية والاهتمام الأكبر للحقوق المدنية والسياسية، وتيار قادة الاتحاد السوفيتي يعطي الأولوية والأهمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ولحق الشعوب في تقرير مصيرها، وقد برز ذلك من خلال الوثائق التي تم التوصل لها في إطار الأمم المتحدة ومن خلال عدم التزام كل طرف بطروحات الطرف الآخر، فيما يخص تلك الحقوق. ومع تفكك الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي في بداية تسعينيات القرن الماضي، ولج العالم نحو سيطرة قطبية أحادية، فرضت من خلالها الولايات المتحدة رؤيتها على العالم، وقد تجلى ذلك في تبني العولمة كإطار حاكم للعلاقات بين الدول، ومن خلال هذا الإطار العام، تم رسم خط سير العالم اقتصادياً عبر فرض رؤية ونهج الليبرالية الجديدة وما تتضمنه من انفتاح الأسواق وحرية التجارة وتصفية دور الدولة في الاقتصاد، وسياسياً عبر العمل من أجل تعميم النمط الديمقراطي في الحكم، وفكرياً عبر الضغط من أجل التعميم النظري لحقوق الإنسان بمضمونها المدني والسياسي. لكن داخل هذا المناخ تبدّى اتجاهين رئيسين أيضاً: اتجاه يدعو إلى العمل من أجل إيجاد ضمانات قوية لاحترام وحماية حقوق الإنسان، واتجاه آخر يستخدم حقوق الإنسان كوسيلة لفرض هيمنته وتوسيع نفوذه السياسي والاقتصادي. وقد فرض هذا الاتجاه الأخير نفسه بالقوة. وأصبح السائد هو الضغط والابتزاز، عبر استخدام التقارير التي تصدرها منظمات حقوق الإنسان وقرارات الهيئات الدولية، من أجل زيادة المكاسب، وليس من أجل تطبيق تلك الحقوق، وفي بعض الأحيان تحولت هيئات حقوق الإنسان إلى أدوات لتنفيذ إستراتيجيات معادية في جوهرها لحقوق الإنسان. وفي ضوء تمادي هذا الاتجاه في تحقيق هيمنته الكاملة بدأت تظهر العقبات والتحديات الجديدة أمام تطبيق حقوق الانسان، ففي جانب بدأت بعض الدول تقاوم هذا التوجه من موقع رفض تعميم النموذج الغربي الليبرالي للحقوق والحريات، وعلى رأس هذه الدول روسيا الاتحادية والصين، كما ظهرت عقبة التطرف الديني في مواجهة حقوق أساسية، وهنا بدت المفارقة مضحكة، لأن القوى الدولية التي روجت ودعمت ورعت هذا التطرف في الماضي القريب، واستثمرته في صراعها من أجل الهيمنة، في أفغانستان والمنطقة العربية، هي نفسها التي راحت تضغط لاحقاً، على الدول ذات التوجه الديني، من أجل تغيير مواقفها وثقافتها وتغيير مناهجها التعليمية وفرض احترام حقوق المرأة وحرية الفكر والعقيدة...إلخ، بما يخالف ما كانت تروج له سابقاً. وفي جانب آخر بدأت تظهر مشكلة تتعلق بالأولوية بالنسبة لبعض الحقوق، في مواجهة موجة من الضغوط والحملات الغربية لفرض حقوق تبدو لها ذات أولوية، بينما ترفض دول أخرى حتى مجرد إدراجها ضمن حقوق الإنسان، كما هو الحال في موضوع المثليين، وترى دول أخرى أن تحقيق التنمية وتقرير مصيرها والتصرف بمواردها والتخلص من السيطرة الأجنبية له الأولوية على ما عداه، وأخرى ترى أن إنقاذ شعبها من براثن الفقر يتقدم على الحقوق السياسية، وغيرها يستبعد الحريات الفكرية لتعارضها مع الدين، ومجتمعات تحارب الهجرة غير الشرعية وتضعها في سلم أولوياتها وأخرى تنشد حقوقاً للعمال المهاجرين وأسرهم. إن هذا الاختلاف بين الدول لم يبق ضمن إطار النقاش أو الضغوط أو حتى اللجوء إلى العقوبات الاقتصادية، بل راحت بعض الدول تنحو باتجاه التدخل العسكري، مسترشدة بنظريات التفوق الحضاري، الذي يعكس فكراً عنصرياً يحل فيه مفهوم التفوق الحضاري ومجتمع الحرية محل الأشكال التقليدية للعنصرية المبنية على العرق واللون والدين، وتطبيقاتها التي ظهرت عبر نظريتي التدخل الإنساني، ومسؤولية الحماية، منصّبة نفسها كشرطي على باقي دول العالم لإجبارها من خلال استخدام القوة، على السير وفق الأسس التي حددتها لها فيما يتعلق بهذا الجانب، وهو الأمر الذي تسبب ولا يزال بنتائج كارثية على حقوق الإنسان وخاصة على الحق في الحياة، ففُقد بنتيجة سياسة التدخل تلك ملايين الضحايا والمصابين وارتكبت أفظع الجرائم ووجد عشرات الملايين أنفسهم خارج أوطانهم وأصبحوا مشردين يعانون من فقدان أبسط الحقوق. لقد تم توظيف تطلع الناس للحرية والديمقراطية في الدول العربية، على سبيل المثال، من أجل تفتيت المجتمعات وتمزيقها ليسهل السيطرة عليها واستباحتها اقتصادياً، وهذا الأمر وضع الشعوب التي تكافح من أجل حريتها، أمام تحديات مصيرية، فهي من جهة في مواجهة خطر التدخل العسكري الذي يستهدف أوطانها وثرواتها ومجتمعاتها، وهي من جهة أخرى في مواجهة أنظمة سياسية لا ديمقراطية لا تبالي بحقوق الإنسان وحرياته وتستأثر بامتيازات كبيرة بفعل الفساد واستغلال السلطة والقمع الموجه للمعارضين، ومن جهة ثالثة مجتمع تسيطر عليه ثقافة سطحية تكفيرية لا يمكن أن تشكل رافعة للشعوب في مواجهة تلك التحديات. إن حل هذه المعضلة لا يكون إلا من خلال اعتماد العقلانية في كفاح الشعوب ضد كل أشكال الهيمنة والسيطرة، في سبيل حريتها وسيادتها، ومن أجل مشاركتها الحقيقية في بناء مجتمعاتها الديمقراطية من جهة، ومن جهة أخرى لا بد من تقديم المصالح العليا للمجتمع الإنساني وحل المشكلات الدولية على أساس التعاون. في ضوء ذلك باتت الشعوب بحاجة الى تعميق فهمها لحقوق الإنسان عبر النشر والتوعية، وتكوين الأطر المدنية والسياسية، ومحاربة التعصب والتطرف، ومواجهة غُلاة الرأسمالية المتوحشة، الذين لا يبالون بارتكاب أفظع الجرائم في سبيل استمرار تدفق الأرباح في حساباتهم المصرفية. إن فكرة هذا الكتاب بسيطة وتحاول الإجابة على سؤال في غاية السهولة، ما هي الحقوق التي يجب أن يتمتع بها الناس؟ وما هي بالتالي التوعية المطلوبة في هذا الجانب؟ هل التعرف على الحقوق مباشرة أم التعرف على مصادرها وتصنيفاتها ووثائقها...إلخ؟، وقد آلينا على أنفسنا أن نبحث في تلك الحقوق لنتعرف على كنهها ومضامينها، أي في مفردات حقوق الإنسان في جانبها المدني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي بالاستناد إلى ما أصدرته الهيئات الدولية من وثائق وما تم التوصل إليه من اتفاقيات دولية في مجال حقوق الإنسان. آخذين بعين الاعتبار أن تلك الوثائق على أهميتها الكبيرة، إلا أن هناك اختلافاً كبيراً فيما يتعلق بمدى إلزاميتها، وخاصة بالنسبة للإعلانات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، في حين أن تلك الوثائق التي أخذت شكل اتفاقيات دولية فهي ملزمة لأطرافها أي أن أثرها نسبي، لكنها جميعها تعد بمثابة معايير يمكن على أساسها تقويم حقوق الإنسان في هذه الدولة أو تلك، بشكل مجرد وبعيداً عن الحساسيات السياسية.

الصفحةالموضوع
9 المقدمة
1 مفهوم حقوق الإنسان
17 1-1 تعريف حقوق الإنسان
21 1-2 تطور حقوق الإنسان
22 1-2-1 المسار الفكري لتطور حقوق الإنسان
26 1-2-2 المسار السياسي المنشئ لحقوق الإنسان
2 الحق في تقرير المصير والحق في الملكية والتنمية
35 2-1 حق تقرير المصير
37 2-1-1 حق تقرير المصير الخارجي
39 2-1-2 حق تقرير المصير الداخلي
40 2-2 الحق في الملكية والتنمية
40 2-2-1 الحق في الملكية
43 2-2-2 الحق في التنمية
3 الحق في المساواة وعدم التمييز
49 3-1 مضمون الحق في المساواة
51 3-1-1 مبادئ الحق في المساواة
53 3-1-2 التمييز غير المحظور
54 3-2 أسباب التمييز المحظورة
54 3-2-1 التمييز العنصري
55 3-2-2 التمييز على أساس الجنس
57 3-2-3 التمييز الديني
59 3-2-4 الإعاقة
59 3-2-5 التمييز على أساس الجنسية
61 3-2-6 التمييز ضد الأجانب
62 3-2-7 التمييز على أساس اللغة
4 الحقوق ذات الصلة بالسلامة البدنية
65 4-1 الحق في الحياة
65 4-1-1 التدابير الهادفة إلى حماية الحق في الحياة
72 4-1-2 النطاق الزمني والحرمان المشروع من الحق في الحياة
76 4-2 الحق في السلامة البدنية والكرامة الإنسانية
76 4-2-1 حظر التعذيب
84 4-2-2 حظر الرق والعبودية والأعراف والممارسات الشبيهة بالرق
5 الحرية الشخصية والحق في المحاكمة العادلة
91 5-1 الحرية الشخصية وحرية التنقل
91 5-1-1 الحرية الشخصية
97 5-1-2 الحق في حرية التنقل وتحديد مكان الإقامة
100 5-2 الحق في محاكمة عادلة
100 5-2-1 المبادئ العامة للمحاكمة العادلة
105 5-2-2 الضمانات الخاصة بالمتهمين في الدعاوى الجزائية
107 5-3-2 الحق في التظلم في القانون الأردني
6 الحقوق السياسية
111 6-1 الحق في التجمع السلمي وتكوين الجمعيات
111 6-1-1 الحق في التجمع السلمي
113 6-1-2 الحق في تكوين الجمعيات
120 6-2 الحق في المشاركة السياسية
120 6-2-1 إدارة الشؤون العامة
121 6-2-2 الحق في انتخابات حرة ونزيهة
123 6-2-3 الحق في تولي الوظائف العامة
7 الحق في الحريات الفكرية
127 7-1 حرية الفكر والعقيدة
131 7-2 حرية الرأي والتعبير
131 7-2-1 مكونات الحق في حرية الرأي والتعبير
133 7-2-2 القيود على حرية التعبير
134 7-2-3 حرية الرأي والتعبير في القانون الأردني
8 الحق في الخصوصية
140 8-1 الحق في الخصوصية التقليدية
141 8-1-1 مظهر مادي
144 8-1-2 مظهر معنوي
145 8-2 الحق في الخصوصية الرقمية
146 8-2-1 المبادئ المتعلقة بجمع ومعالجة وحفظ البيانات الشخصية
148 8-2-2 المبادئ المتعلقة بالمسؤولية
9 الحق في التعليم والحريات الأكاديمية
153 9-1 الحق في التعليم
153 9-1-1 مكونات الحق في التعليم
155 9-1-2 الالتزامات والتدابير فيما يخص الحق في التعليم
156 9-2 الحريات الأكاديمية
156 9-2-1 مصادر ومضمون الحريات الأكاديمية ومسؤوليات الأكاديميين
159 9-2-2 الاعتراف بالمؤهلات المتعلقة بالتعليم العالي بين مختلف دول العالم
10 الحق في العمل والضمان الاجتماعي
164 10-1 عناصر الحق في العمل
164 10-1-1 حق الحصول على عمل
164 10-1-2 الحماية من الفصل التعسفي
165 10-1-3 المساواة في العمل
165 10-1-4 الحق في شروط عمل منصفة ولائقة
167 10-1-5 حماية حق التنظيم النقابي والمفاوضات الجماعية
168 10-2 الحق في الضمان الاجتماعي
168 10-2-1 يشمل الحق في الضمان الاجتماعي
169 10-2-2 عناصر الحق في الضمان الاجتماعي
11 الحق في مستوى معيشي لائق
173 11-1 الحق في الغذاء والمأوى
173 11-1-1 الحق في الغذاء
176 11-1-2 الحق في المأوى والكساء
180 11-2 الحق في الصحة والماء النظيف
180 11-2-1 الحق في الصحة
182 11-2-2 الحق في الماء
12 الحق في حماية الأسرة والطفل
187 12-1 حماية الأسرة
189 12-2 حقوق الطفل
189 12-2-1 المبادئ الأساسية الضامنة لحقوق الطفل
191 12-2-2 الحماية الخاصة المقررة للطفل بموجب المواثيق الدولية
13 الحقوق الثقافية
201 13-1 الحق في الثقافة والعلم
202 13-1-1 حق المشاركة في الحياة الثقافية
205 13-1-2 الحق في العلوم
206 13-2 الحق في حماية المصالح المعنوية والمادية للمؤلفين
209 المصادر والمراجع

الكتب ذات العلاقة

القانون     الدولي حقوق الانسان
 
اضافة الكتاب الى سلة المشتريات
  الكمية:
حذف الكتاب:
   
   
 
 
انهاء التسوق
استمر بالتسوق
9789923152874 :ISBN
حقوق الانسان :الكتاب
أ.د عمران محمود محافظة :المولف
0.600 :الوزن
17×24 :الحجم
ابيض :الورق
216 :الصفحات
2025 :السنة
مجلد :النوع
$17.5 :السعر
 
:المقدمة

لم يبدأ الكلام عن الحقوق ولم يبدأ تدوينها، إلا بعد نشوء المجتمعات، وبخاصة بعد تكوّن المدن، وذلك لأن الحاجة إلى تنظيم تلك المجتمعات، فرضت نفسها من مختلف النواحي، والتنظيم يقتضي مراعاة جانبين: الأول يتعلق بالحفاظ على الامن والاستقرار ومنع الفوضى، والثاني يتعلق بمراعاة مصالح وحقوق الأفراد فيه، وقد بقي هاجس الأمن وحماية المجتمع، لمدة طويلة من الزمن، هو المسيطر على حساب حقوق الناس، بل إننا يمكن أن نلحظ مسارين رئيسين حكما تفكير البشر وأنتجا ثقافته ومعارفه عبر مراحل التاريخ المختلفة: مسار تأييد الظلم وتبريره ورفعه الى مرتبة القداسة، ومسار رفض الظلم والتشكيك به ونزع القداسة عنه. لكن الظلم الذي ترافق مع فساد الحكام وأنانيتهم وعدم مبالاتهم بحقوق الناس في جانب، وتطور وعي الناس وزيادة إحساسهم بقيمتهم بفضل مفكرين تجرأوا على واقع العبودية والمعاناة في جانب آخر، أدى إلى التغير في التفكير ومن ثم في السلوك وصولاً إلى التمرد الذي طال العلاقات القائمة على الاستعباد، ومن ثم فرض مراعاة حقوق الإنسان في صلب العلاقة بين الحاكم والمحكوم والتي تجلت من خلال إقرار بعض المواثيق التي شكلت تحولاً كبيراً في مجال حقوق الإنسان. إن موضوع حقوق الإنسان من المواضيع الهامة جداً، وهو يشغل بال الأفراد والجماعات والدول، فهو هدف بحد ذاته تسعى شعوب العالم إلى تحقيقه والتمتع بمضمونه في حياتها العملية، وإذا كان يظهر في الجدل الفكري اختلاف في وجهات النظر حول جدوى الحقوق، فإن هذا الجدل في جوهره، جدل بين وجهة نظر تعبر عن مكاسب وامتيازات ومصالح فئات مسيطرة، وأخرى تعبر عن حقوق المحكومين، فلا يمكن لإنسان طبيعي يتمتع بالوعي ويحكِّم عقله، أن يرفض ممارسة حريته ويختار العبودية والانقياد، ولا يمكن له أن يقبل أن يكون مهاناً بلا كرامة، ولا يمكن أن تنجح أيديولوجيا تقوم على أساس التنكر للحرية والكرامة الإنسانية. قد تتعارض حقوق الإنسان مع بعض الجوانب في أيديولوجيا أو عقيدة معينة، لكن ذلك هو في الواقع أثر لسيطرة فكر السلطة، وذلك لأنه ما من عقيدة أو أيديولوجيا إلا وتنشد رضى المخاطبين بها، ولا يمكنها أن تنال رضاهم إلا اذا كان فيها احترام لكراماتهم وتحقيق لمصالحهم ومراعاة لحقوقهم. أما ما يظهر من تناقض بين الأيديولوجيا وحقوق الإنسان فإن له علاقة بجانبين: الأول يتعلق بالتعصب والتطرف، الذي يظهر في ممارسة جماعات تنتمي إلى عقيدة أو دين أو فكر معين، والناجم عن استقرار السيطرة وتمكنها وتمددها، والذي يؤدي بالضرورة إلى العنصرية التي تظهرها هذه الجماعات تجاه الآخر المختلف الذي ينتمي إلى عقيدة أو دين أو فكر آخر، وفي هذا الجانب فإن المتعصب كما العنصري يرى مكاسبه حقوق واجبه على الآخرين بينما حقوق اللآخرين عدوان وخرق لحقوقه. والثاني يرجع إلى التوظيف السياسي لفكرة حقوق الإنسان واستخدامها في الصراع السياسي من أجل النفوذ والسيطرة. لقد سيطر على التفكير، بعد الحرب العالمية الثانية، فيما يخص حقوق الإنسان فكرة أن تلافي الحرب وبناء السلام بين الأمم غير ممكن من دون تشجيع احترام حقوق الإنسان وتعزيزها وهو ما تبناه ميثاق الأمم المتحدة 1945. لكن على الرغم من الاتفاق على عمومية هذه الفكرة إلا أن نقلها إلى حيز الوجود تطلب جهوداً كبيرة، وطبع المرحلة اللاحقة تيارين رئيسيين: التيار التي تقوده الولايات المتحدة الذي يعظم الفردية ويعطي الأولوية والاهتمام الأكبر للحقوق المدنية والسياسية، وتيار قادة الاتحاد السوفيتي يعطي الأولوية والأهمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ولحق الشعوب في تقرير مصيرها، وقد برز ذلك من خلال الوثائق التي تم التوصل لها في إطار الأمم المتحدة ومن خلال عدم التزام كل طرف بطروحات الطرف الآخر، فيما يخص تلك الحقوق. ومع تفكك الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي في بداية تسعينيات القرن الماضي، ولج العالم نحو سيطرة قطبية أحادية، فرضت من خلالها الولايات المتحدة رؤيتها على العالم، وقد تجلى ذلك في تبني العولمة كإطار حاكم للعلاقات بين الدول، ومن خلال هذا الإطار العام، تم رسم خط سير العالم اقتصادياً عبر فرض رؤية ونهج الليبرالية الجديدة وما تتضمنه من انفتاح الأسواق وحرية التجارة وتصفية دور الدولة في الاقتصاد، وسياسياً عبر العمل من أجل تعميم النمط الديمقراطي في الحكم، وفكرياً عبر الضغط من أجل التعميم النظري لحقوق الإنسان بمضمونها المدني والسياسي. لكن داخل هذا المناخ تبدّى اتجاهين رئيسين أيضاً: اتجاه يدعو إلى العمل من أجل إيجاد ضمانات قوية لاحترام وحماية حقوق الإنسان، واتجاه آخر يستخدم حقوق الإنسان كوسيلة لفرض هيمنته وتوسيع نفوذه السياسي والاقتصادي. وقد فرض هذا الاتجاه الأخير نفسه بالقوة. وأصبح السائد هو الضغط والابتزاز، عبر استخدام التقارير التي تصدرها منظمات حقوق الإنسان وقرارات الهيئات الدولية، من أجل زيادة المكاسب، وليس من أجل تطبيق تلك الحقوق، وفي بعض الأحيان تحولت هيئات حقوق الإنسان إلى أدوات لتنفيذ إستراتيجيات معادية في جوهرها لحقوق الإنسان. وفي ضوء تمادي هذا الاتجاه في تحقيق هيمنته الكاملة بدأت تظهر العقبات والتحديات الجديدة أمام تطبيق حقوق الانسان، ففي جانب بدأت بعض الدول تقاوم هذا التوجه من موقع رفض تعميم النموذج الغربي الليبرالي للحقوق والحريات، وعلى رأس هذه الدول روسيا الاتحادية والصين، كما ظهرت عقبة التطرف الديني في مواجهة حقوق أساسية، وهنا بدت المفارقة مضحكة، لأن القوى الدولية التي روجت ودعمت ورعت هذا التطرف في الماضي القريب، واستثمرته في صراعها من أجل الهيمنة، في أفغانستان والمنطقة العربية، هي نفسها التي راحت تضغط لاحقاً، على الدول ذات التوجه الديني، من أجل تغيير مواقفها وثقافتها وتغيير مناهجها التعليمية وفرض احترام حقوق المرأة وحرية الفكر والعقيدة...إلخ، بما يخالف ما كانت تروج له سابقاً. وفي جانب آخر بدأت تظهر مشكلة تتعلق بالأولوية بالنسبة لبعض الحقوق، في مواجهة موجة من الضغوط والحملات الغربية لفرض حقوق تبدو لها ذات أولوية، بينما ترفض دول أخرى حتى مجرد إدراجها ضمن حقوق الإنسان، كما هو الحال في موضوع المثليين، وترى دول أخرى أن تحقيق التنمية وتقرير مصيرها والتصرف بمواردها والتخلص من السيطرة الأجنبية له الأولوية على ما عداه، وأخرى ترى أن إنقاذ شعبها من براثن الفقر يتقدم على الحقوق السياسية، وغيرها يستبعد الحريات الفكرية لتعارضها مع الدين، ومجتمعات تحارب الهجرة غير الشرعية وتضعها في سلم أولوياتها وأخرى تنشد حقوقاً للعمال المهاجرين وأسرهم. إن هذا الاختلاف بين الدول لم يبق ضمن إطار النقاش أو الضغوط أو حتى اللجوء إلى العقوبات الاقتصادية، بل راحت بعض الدول تنحو باتجاه التدخل العسكري، مسترشدة بنظريات التفوق الحضاري، الذي يعكس فكراً عنصرياً يحل فيه مفهوم التفوق الحضاري ومجتمع الحرية محل الأشكال التقليدية للعنصرية المبنية على العرق واللون والدين، وتطبيقاتها التي ظهرت عبر نظريتي التدخل الإنساني، ومسؤولية الحماية، منصّبة نفسها كشرطي على باقي دول العالم لإجبارها من خلال استخدام القوة، على السير وفق الأسس التي حددتها لها فيما يتعلق بهذا الجانب، وهو الأمر الذي تسبب ولا يزال بنتائج كارثية على حقوق الإنسان وخاصة على الحق في الحياة، ففُقد بنتيجة سياسة التدخل تلك ملايين الضحايا والمصابين وارتكبت أفظع الجرائم ووجد عشرات الملايين أنفسهم خارج أوطانهم وأصبحوا مشردين يعانون من فقدان أبسط الحقوق. لقد تم توظيف تطلع الناس للحرية والديمقراطية في الدول العربية، على سبيل المثال، من أجل تفتيت المجتمعات وتمزيقها ليسهل السيطرة عليها واستباحتها اقتصادياً، وهذا الأمر وضع الشعوب التي تكافح من أجل حريتها، أمام تحديات مصيرية، فهي من جهة في مواجهة خطر التدخل العسكري الذي يستهدف أوطانها وثرواتها ومجتمعاتها، وهي من جهة أخرى في مواجهة أنظمة سياسية لا ديمقراطية لا تبالي بحقوق الإنسان وحرياته وتستأثر بامتيازات كبيرة بفعل الفساد واستغلال السلطة والقمع الموجه للمعارضين، ومن جهة ثالثة مجتمع تسيطر عليه ثقافة سطحية تكفيرية لا يمكن أن تشكل رافعة للشعوب في مواجهة تلك التحديات. إن حل هذه المعضلة لا يكون إلا من خلال اعتماد العقلانية في كفاح الشعوب ضد كل أشكال الهيمنة والسيطرة، في سبيل حريتها وسيادتها، ومن أجل مشاركتها الحقيقية في بناء مجتمعاتها الديمقراطية من جهة، ومن جهة أخرى لا بد من تقديم المصالح العليا للمجتمع الإنساني وحل المشكلات الدولية على أساس التعاون. في ضوء ذلك باتت الشعوب بحاجة الى تعميق فهمها لحقوق الإنسان عبر النشر والتوعية، وتكوين الأطر المدنية والسياسية، ومحاربة التعصب والتطرف، ومواجهة غُلاة الرأسمالية المتوحشة، الذين لا يبالون بارتكاب أفظع الجرائم في سبيل استمرار تدفق الأرباح في حساباتهم المصرفية. إن فكرة هذا الكتاب بسيطة وتحاول الإجابة على سؤال في غاية السهولة، ما هي الحقوق التي يجب أن يتمتع بها الناس؟ وما هي بالتالي التوعية المطلوبة في هذا الجانب؟ هل التعرف على الحقوق مباشرة أم التعرف على مصادرها وتصنيفاتها ووثائقها...إلخ؟، وقد آلينا على أنفسنا أن نبحث في تلك الحقوق لنتعرف على كنهها ومضامينها، أي في مفردات حقوق الإنسان في جانبها المدني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي بالاستناد إلى ما أصدرته الهيئات الدولية من وثائق وما تم التوصل إليه من اتفاقيات دولية في مجال حقوق الإنسان. آخذين بعين الاعتبار أن تلك الوثائق على أهميتها الكبيرة، إلا أن هناك اختلافاً كبيراً فيما يتعلق بمدى إلزاميتها، وخاصة بالنسبة للإعلانات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، في حين أن تلك الوثائق التي أخذت شكل اتفاقيات دولية فهي ملزمة لأطرافها أي أن أثرها نسبي، لكنها جميعها تعد بمثابة معايير يمكن على أساسها تقويم حقوق الإنسان في هذه الدولة أو تلك، بشكل مجرد وبعيداً عن الحساسيات السياسية.

 
:الفهرس
 
:الكتب ذات العلاقة