المسؤولية الدولية عن الاضرار البيئية وقت السلم - النظام القانوني

ISBN 9789923150450
الوزن 0.800
الحجم 17×24
الورق ابيض
الصفحات 464
السنة 2022
النوع مجلد

إن التطور الثقافي والحضاري والفكري للمجتمع الدولي ساهم بشكل كبير في تطوير منظومة حقوق الإنسان، فبعدما كانت حقوق الإنسان تتمثل في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، ظهرت الحاجة إلى إصدار اتفاقيات دولية تعنى بحقوق الإنسان، وفي ضوء التطور الذي أسس مبادئ حقوق الإنسان تم تقسيم تلك الحقوق الى ثلاثة أجيال، وهي الحقوق المدنية والسياسية (الجيل الأول)، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية (الجيل الثاني)، والحقوق الفردية والجماعية (الجيل الثالث)، والتي من هذه الأخيرة برزت فكرة الحقوق البيئية، وهي الحقوق القائمة على فكرة التضامن بين مختلف الدول لتكريسها وضمان احترامها، كالحق في العيش في بيئة سليمة وهي حقوق حديثة نوعاً ما، حيث إن وجودها كان ضمنياً في النصوص وبصورة غير مباشرة، من خلال تحقيق حريات وحقوق أخرى تندرج ضمنها، فالحق في بيئة سليمة كان يستدل عليه من مجرد الإقرار بالحق في الحياة، الذي كرسته المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ومنذ انعقاد مؤتمر ستوكهولم للبيئة المنعقد في عام 1972، الذي تضمن هذا الحق وفي بيئة ذات نوعية تتيح العيش في حياة كريمة وسليمة، ما نحا بهذا الحق بعداً جديداً من حيث ترسيخه في الوعي الفردي والجماعي وعلى المستوى الوطني والدولي، وكان هذا المؤتمر ضربة البداية لسباق تكريس الحقوق البيئية على مستوى النصوص والصكوك وآليات العمل الدولية التي يترجمها على أرض الواقع إطار قانوني دولي للبيئة يجعل من الإنسان مواطناً عالمياً لا ينحصر حقه في العيش في بيئة نظيفة وسليمة على رقعة جغرافية بعينها، بل يعطيه امتداداً في الزمان من حيث الحفاظ على حقوق الأجيال القادمة في الثروات الطبيعية والموارد القابلة للنضوب أو الأجناس المهددة بالانقراض من جهة، وبروز مفهوم حماية البيئة الطبيعية كمفهوم قانوني قابل للحماية كمصلح قائم بذاته من جهة ثانية. وتعد قضية البيئة من أخطر مشاكل العصر الحديث التي تحتاج إلى اهتمام خاص ومستمر لزيادة الوعي لدى الشعوب والدول بالأضرار التي تهدد صحة البشرية، كما تعد من المشكلات المتعددة الأوجه والأبعاد وتتميز بأنها ذات طبيعة تراكمية حيث تكونت عبر السنين في محصلة التفاعل بين عوامل عديدة سياسية واقتصادية واجتماعية يتعلق بعضها بالإنتاج والتطوير، والبعض الآخر يرتبط بالاستهلاك وأنماطه . وبدأت آثار هذا التفاعل على البيئة مع ازدياد العلاقة التفاعلية للإنسان معها خاصةً مع تطور التكنولوجيا التي تعد ثمرة الثورة الصناعية والعلمية وعلى كافة الجوانب الاجتماعية لهذا التطور الملموس، إلا أن الآثار السلبية له جعل من تفاقم المشكلات والمخاطر بالنظر إلى الأضرار الجسيمة التي يمكن أن يترتب على استعمالها، إذ إن تجاهل الأبعاد الإنسانية لللبيئة أو القيود التي تفرضها الطبيعة على العمليات التنموية في غمرة الاهتمام بالتراكم الرأسمالي، أدى الى حدوث العديد من المشاكل البيئية التي أصبحت على درجة كبيرة من الخطورة، مما أدى الى ظهور ما يسمى بالمشاكل الإيكولوجية العالمية أو المشاكل الكونية. وجسد إعلان ريو دي جانييريو لعام 1992، وإعلان جوهانسبرغ لعام 2002، مبدأ الحق بالبيئة وبروز مفهوم التنمية المستدامة الذي اعتمد أساسه على تلبية حاجات الحاضر دون المساس بحاجات المستقبل، وتمت ترجمته على الصعيد الوطني لأغلب القوانين والتشريعات الوطنية، لا بل تبنت بعض الدول دسترته في قوانينها الأساسية الناظمة لسياسة الدولة. ويطرح بروز هذه المشاكل البيئية وتفاقم حدتها عدة تحديات غير منظورة للعلوم الاجتماعية والاهتمامات البيئية للمواطنين والدول والمصالح الخاصة، حيث لم يعد ما يواجه العالم اليوم محصوراً في الحالة التي صورها تقرير نادي روما الصادر عام 1972، والمعنون بحدود النمو The limits to gro wht، والمتمثلة في استنزاف الموارد الطبيعة، والتي يمكن مواجهتها وإن كان بطريقة محدودة وغير كفوءة من خلال إحلال رأس المال الطبيعي برأس المال المادي، سواء من خلال ابتكار منتجات جديدة لاستبدال الموارد التي توشك على النفاذ، أو بواسطة تقنيات جديدة توسع نطاق المخزونات الحالية، بل إن مواجهة العالم اليوم يمثل ظروفاً مختلفة بشكل جذري، ولذا يجب على المؤسسات القائمة أن تتعامل مع هشاشة الأنساق والعمليات الحيوية التي لا يمكن استبدالها بغيرها، فلا يمكن استبدال طبقة الأوزون أو الاستقرار المناخي على سبيل المثال. وأدت هذه العلاقة السلبية بين الإنسان والبيئة في العصر الحديث الى ظهور طائفة من الظواهر الطبيعيه الخطيرة، والتي استدعت اهتمام العالم أجمع ورغبته في مواجهة هذه المشكلات ودراستها للحد من أخطارها وآثارها الضارة على الإنسان والبيئة على حد سواء، مما أدى هذا الأمر الى خلق نظرة جديدة وصارمة من قبل المجتمع الدولي لبحث تلك الآثار من خلال إقامة المؤتمرات وإبرام الاتفاقيات والمعاهدات والبرتوكولات الدولية، ناهيك عن الاهتمام الداخلي بتلك القضايا البيئية. ومن تلك المعطيات أخذ الفقه العالمي الدولي في إعادة النظر مع التعامل في مسألة الضرر البيئي كواقعة حتمية، وظهرت فكرة المسؤولية الدولية عن الأضرار البيئية، والتي بالضرورة لم تخلُ من الجدل الفقهي الكبير وتضارب فلسفي قانوني حول الأساس الفقهي لتلك المسؤولية، فالبعض من الفقه يرى أن الخطأ هو أساس المسؤولية، وأخرون ينظرون إلى فكرة المخاطر لقيام المسؤولية، ومنهم من أخذ بفكرة العمل غير المشروع التي تقوم على أساسها المسؤولية الدولية على الأضرار البيئية. وكان لمحكمة العدل الدولية دور رئيس في وضع الأسس والقواعد المتعلقة بالقانون الدولي ومنها القضايا البيئية، على الرغم من أن مساهماتها لم ترتقِ إلى مستوى الطموح لما أفرزته القضايا والمشاكل البيئية من أضرار نتج عن ذلك الأمر نزاعات دولية، فكان من الضرورة بمكان أن تكون هناك وسائل لتسوية هذه النزاعات وخاصة أن من أهم مبادئ هيئة الأمم المتحدة تسوية النزاعات الدولية بالطرق السلمية وحفظ الأمن والسلم العالميين، ولأن النزاعات الدولية البيئية ذات طابع خاص، لابد أن يكون لحلها ذات المكانة، وتبرز تلك الأهمية من محاولة أولى، ابتداء في ردع السلوكيات الضارة بالبيئة، حيث إنه وفي الوقت الراهن لم تنشأ بعد محكمة دولية واحدة متخصصه بالقضايا البيئية، والتي يمكن معها أن يطرح عليها هذا النوع من النزاعات بطرق ووسائل تختلف عن آليات تسوية المنازعات الدولية التقليدية. والمؤلف من خلال تلك المعطيات ينحصر بحثه حول الإطار القانوني الناظم للمسؤولية الدولية وقت السلم، فعلاوة على أهمية هذا الموضوع فإنه يحتل موقفاً خاصاً ومميزاً في القانون الدولي العام والقانون الدولي البيئي، على الرغم من أنه لم يلقَ حتى الآن الاهتمام المنشود من أجل الكشف عن قواعد ضابطة لتسوية تلك المنازعات البيئية وإيجاد الوسائل الملائمة لها في ظل الطبيعة الخاصة والمميزة للقانون الدولي البيئي وقضايا البيئة، فمثل هذا الموضوع يثير الكثير من المشاكل والتساؤلات، فمن الثابت أن المشاكل المتعلقة بالبيئة لها خصائص تميزها عن سواها من حيث تنوعها وعلاقتها بعضها البعض، أو من حيث مدى الأضرار الناجمة عنها والتي يصعب تقديرها أو حتى معرفة مدى تأثيرها، عداك عن المشاكل القانونية الأخرى المتعلقة بتحديد أطراف النزاع أو المحكمة المختصة بالنظر بتلك القضايا، أو تلك القواعد القانونية الواجبة التطبيق على المنازعات الدولية البيئية.

الصفحةالموضوع
15 المقدمة
الفصل الأول
القواعد القانونية الناظمة لحقوق الإنسان البيئية
31 المبحث الأول: البيئة وحقوق الإنسان
32 المطلب الأول: ماهية حقوق الإنسان البيئية
40 المطلب الثاني: المخاطر البيئية التي تهدد حق الإنسان في بيئة سليمة (ظاهرة التلوث)
53 المطلب الثالث: الحق في بيئة سليمة حق لصيق بالإنسان
54 الفرع الأول: مفهوم الحق في بيئة سليمة
59 الفرع الثاني: ميزات الحق في بيئة سليمة وعلاقته بحقوق الإنسان الأخرى
72 المبحث الثاني: آليات تعزيز الحق في بيئة سليمة في إطار القانون الدولي العام
73 المطلب الأول: إدماج حقوق الإنسان البيئية ضمن مبادئ التنمية المستدامة
78 المطلب الثاني: مبادئ التنمية المستدامة في تكريس الحق في بيئة سليمة
78 الفرع الأول: المؤتمرات والإعلانات الدولية ودورها في تعزيز مفهوم التنمية المستدامة
87 الفرع الثاني: هيئات منظمة الأمم المتحدة المعنية بالبيئة ودورها في تعزيز التنمية المستدامة
101 المبحث الثالث: الجهود الدولية والإقليمية في تكريس الحق في بيئة سلمية
101 المطلب الأول: الاعتراف المباشر بحق الإنسان في العيش في بيئة سليمة على الصعيد الدولي
113 المطلب الثاني: الاعتراف غير المباشر بحق الإنسان في العيش في بيئة سليمة على الصعيد الدولي
135 المطلب الثالث: الجهود الإقليمية لتكريس الحق في بيئة سليمة
136 الفرع الأول: تكريس الحق في بيئة سليمة وصحية على الصعيد الأوروبي
145 الفرع الثاني: الحق في العيش في بيئة صحية وسليمة في المعاهدات الأمريكية لحقوق الإنسان
147 الفرع الثالث: الحق في بيئة سلمية في المواثيق الإفريقية
151 الفرع الرابع: الحق في بيئة صحية وملائمة في المواثيق العربية
الفصل الثاني
إقرار قواعد المسؤولية الدولية على الأضرار البيئية وقت السلم
164 المبحث الأول: الإطار القانوني لماهية المسؤولية الدولية
165 المطلب الأول: المفاهيم المتعددة في تعريف المسؤولية الدولية
167 الفرع الأول: التعريف الفقهي للمسؤولية الدولية
169 الفرع الثاني: تعريف الهيئات الوطنية والدولية للمسؤولية الدولية
170 الفرع الثالث: التعاريف القانونية للمسؤولية الدولية في جانبيها الاتفاقي والقضاء الدولي
174 الفرع الرابع: الاعتراف بالمسؤولية الدولية لكيانات أخرى كشخص من أشخاص القانون الدولي
179 المطلب الثاني: تقنين قواعد المسؤولية الدولية في ظل التنظيم الدولي الحديث والمعاصر
179 الفرع الأول: ترسيخ المسؤولية الدولية في جهود الهيئات العلمية الدولية
182 الفرع الثاني: التقنين الحديث للمسؤولية الدولية
190 المطلب الثالث: المسؤولية الدولية عن الأضرار البيئية وأهمية إقرارها
191 الفرع الأول: الطبيعة الخاصة للمسؤولية الدولية عن الأضرار البيئية
193 الفرع الثاني: صعوبة تحديد أركان المسؤولية الدولية عن الأضرار البيئية
195 الفرع الثالث: إقرار المسؤولية المدنية عن الأضرار البيئية وتأرجح المسؤولية الجنائية في الأخذ بها
196 الفرع الرابع: إمكانية تحريك الدعوى الشعبية لإقرار المسؤولية الدولية عن الأضرار البيئية
198 الفرع الخامس: الإجماع الدولي في إقرار المسؤولية الدولية عن الأضرار البيئية
203 المبحث الثاني: إقرار المسؤولية الدولية عن الأضرار البيئية وفق مبادئ القانون الدولي وقت السلم
206 المطلب الأول: مبادئ القانون الدولي العام في إقرار المسؤولية الدولية عن الأضرار البيئية وقت السلم
207 الفرع الأول: مبدأ سيادة الدولة بالمفهوم الحديث وإعماله في المجال البيئي
214 الفرع الثاني: مبدأ عدم التعسف باستعمال الحق وإعماله في المجال البيئي
220 الفرع الثالث: مبدأ حسن الجوار وإعماله في المجال البيئي
230 الفرع الرابع: مبدأ حسن النية في التعامل وأثره في حماية البيئة
236 المطلب الثاني: مبادئ القانون الدولي البيئي في إقرار المسؤولية الدولية عن الأضرار البيئية وقت السلم
237 الفرع الأول: مبدأ التعاون الدولي في حماية البيئة ومنع الإضرار بها
247 الفرع الثاني: مبدأ المنهج الوقائي في حماية البيئة
254 الفرع الثالث: مبدأ الحيطة (التدابير الاحتياطية)
262 الفرع الرابع: مبدأ الملوث الدافع
283 الفرع الخامس: مبدأ التنمية المستدامة (العدالة البيئية بين الأجيال)
الفصل الثالث
الأساس القانوني للمسؤولية الدولية عن الأضرار البيئية وقت السلم
313 المبحث الأول: الأسس التقليدية والحديثة في إقرار المسؤولية الدولية عن الأضرار البيئية وقت السلم
314 المطلب الاول: النظريات التقليدية والحديثة ومدى كفايتها في إقرار المسؤولية الدولية عن الأضرار البيئية
314 الفرع الأول: نظرية الخطأ وإعمالها في مجال المسؤولية البيئية
317 الفرع الثاني: نظرية المسؤولية عن العمل غير المشروع وإعمالها في مجال المسؤولية البيئية
328 الفرع الثالث: نظرية المخاطر أو النظرية المطلقة وتعزيزها للمسؤولية الدولية البيئية
334 المطلب الثاني: شرائط انعقاد المسؤولية الدولية عن الأضرار البيئية
335 الفرع الأول: ارتكاب عمل مخالف لقواعد القانون الدولي العام أو القانون الدولي البيئي
346 الفرع الثاني: إسناد العمل الضار بالبيئة إلى الدولة أو أحد أشخاص القانون الدولي
358 الفرع الثالث: تحقق وقوع الضرر البيئي
372 المبحث الثاني: أنواع المسؤولية الدولية عن الأضرار البيئية وآثارها في أوقات السلم
374 المطلب الأول: المسؤولية المدنية الدولية عن الأضرار البيئية وقت السلم
376 الفرع الأول: إقرار المسؤولية الدولية المدنية العقدية عن الأضرار البيئية
381 الفرع الثاني: إقرار المسؤولية الدولية المدنية التقصيرية عن الأضرار البيئية
383 المطلب الثاني: آثار المسؤولية الدولية المدنية عن الأضرار البيئية وقت السلم
384 الفرع الأول: التعويض العيني في المسؤولية المدنية الدولية عن الأضرار البيئية
389 الفرع الثاني: التعويض النقدي (المالي) في المسؤولية الدولية المدنية عن الأضرار البيئية
403 الفرع الثالث: الترضية
406 المطلب الثالث: المسؤولية الدولية الجزائية على الأضرار البيئية وقت السلم
407 الفرع الأول: ماهية الجريمة الدولية
412 الفرع الثاني: إمكانية إقرار المسؤولية الدولية الجزائية عن الأضرار البيئية
419 المطلب الرابع: موانع قيام المسؤولية الدولية عن الأضرار البيئية
429 الخاتمة
437 المـراجـع

الكتب ذات العلاقة

القانون     الدولي المسؤولية الدولية عن الاضرار البيئية وقت السلم - النظام القانوني
 
اضافة الكتاب الى سلة المشتريات
  الكمية:
حذف الكتاب:
   
   
 
 
انهاء التسوق
استمر بالتسوق
9789923150450 :ISBN
المسؤولية الدولية عن الاضرار البيئية وقت السلم - النظام القانوني :الكتاب
د. محمد مصطفى عيادات :المولف
0.800 :الوزن
17×24 :الحجم
ابيض :الورق
464 :الصفحات
2022 :السنة
مجلد :النوع
$35 :السعر
 
:المقدمة

إن التطور الثقافي والحضاري والفكري للمجتمع الدولي ساهم بشكل كبير في تطوير منظومة حقوق الإنسان، فبعدما كانت حقوق الإنسان تتمثل في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، ظهرت الحاجة إلى إصدار اتفاقيات دولية تعنى بحقوق الإنسان، وفي ضوء التطور الذي أسس مبادئ حقوق الإنسان تم تقسيم تلك الحقوق الى ثلاثة أجيال، وهي الحقوق المدنية والسياسية (الجيل الأول)، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية (الجيل الثاني)، والحقوق الفردية والجماعية (الجيل الثالث)، والتي من هذه الأخيرة برزت فكرة الحقوق البيئية، وهي الحقوق القائمة على فكرة التضامن بين مختلف الدول لتكريسها وضمان احترامها، كالحق في العيش في بيئة سليمة وهي حقوق حديثة نوعاً ما، حيث إن وجودها كان ضمنياً في النصوص وبصورة غير مباشرة، من خلال تحقيق حريات وحقوق أخرى تندرج ضمنها، فالحق في بيئة سليمة كان يستدل عليه من مجرد الإقرار بالحق في الحياة، الذي كرسته المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ومنذ انعقاد مؤتمر ستوكهولم للبيئة المنعقد في عام 1972، الذي تضمن هذا الحق وفي بيئة ذات نوعية تتيح العيش في حياة كريمة وسليمة، ما نحا بهذا الحق بعداً جديداً من حيث ترسيخه في الوعي الفردي والجماعي وعلى المستوى الوطني والدولي، وكان هذا المؤتمر ضربة البداية لسباق تكريس الحقوق البيئية على مستوى النصوص والصكوك وآليات العمل الدولية التي يترجمها على أرض الواقع إطار قانوني دولي للبيئة يجعل من الإنسان مواطناً عالمياً لا ينحصر حقه في العيش في بيئة نظيفة وسليمة على رقعة جغرافية بعينها، بل يعطيه امتداداً في الزمان من حيث الحفاظ على حقوق الأجيال القادمة في الثروات الطبيعية والموارد القابلة للنضوب أو الأجناس المهددة بالانقراض من جهة، وبروز مفهوم حماية البيئة الطبيعية كمفهوم قانوني قابل للحماية كمصلح قائم بذاته من جهة ثانية. وتعد قضية البيئة من أخطر مشاكل العصر الحديث التي تحتاج إلى اهتمام خاص ومستمر لزيادة الوعي لدى الشعوب والدول بالأضرار التي تهدد صحة البشرية، كما تعد من المشكلات المتعددة الأوجه والأبعاد وتتميز بأنها ذات طبيعة تراكمية حيث تكونت عبر السنين في محصلة التفاعل بين عوامل عديدة سياسية واقتصادية واجتماعية يتعلق بعضها بالإنتاج والتطوير، والبعض الآخر يرتبط بالاستهلاك وأنماطه . وبدأت آثار هذا التفاعل على البيئة مع ازدياد العلاقة التفاعلية للإنسان معها خاصةً مع تطور التكنولوجيا التي تعد ثمرة الثورة الصناعية والعلمية وعلى كافة الجوانب الاجتماعية لهذا التطور الملموس، إلا أن الآثار السلبية له جعل من تفاقم المشكلات والمخاطر بالنظر إلى الأضرار الجسيمة التي يمكن أن يترتب على استعمالها، إذ إن تجاهل الأبعاد الإنسانية لللبيئة أو القيود التي تفرضها الطبيعة على العمليات التنموية في غمرة الاهتمام بالتراكم الرأسمالي، أدى الى حدوث العديد من المشاكل البيئية التي أصبحت على درجة كبيرة من الخطورة، مما أدى الى ظهور ما يسمى بالمشاكل الإيكولوجية العالمية أو المشاكل الكونية. وجسد إعلان ريو دي جانييريو لعام 1992، وإعلان جوهانسبرغ لعام 2002، مبدأ الحق بالبيئة وبروز مفهوم التنمية المستدامة الذي اعتمد أساسه على تلبية حاجات الحاضر دون المساس بحاجات المستقبل، وتمت ترجمته على الصعيد الوطني لأغلب القوانين والتشريعات الوطنية، لا بل تبنت بعض الدول دسترته في قوانينها الأساسية الناظمة لسياسة الدولة. ويطرح بروز هذه المشاكل البيئية وتفاقم حدتها عدة تحديات غير منظورة للعلوم الاجتماعية والاهتمامات البيئية للمواطنين والدول والمصالح الخاصة، حيث لم يعد ما يواجه العالم اليوم محصوراً في الحالة التي صورها تقرير نادي روما الصادر عام 1972، والمعنون بحدود النمو The limits to gro wht، والمتمثلة في استنزاف الموارد الطبيعة، والتي يمكن مواجهتها وإن كان بطريقة محدودة وغير كفوءة من خلال إحلال رأس المال الطبيعي برأس المال المادي، سواء من خلال ابتكار منتجات جديدة لاستبدال الموارد التي توشك على النفاذ، أو بواسطة تقنيات جديدة توسع نطاق المخزونات الحالية، بل إن مواجهة العالم اليوم يمثل ظروفاً مختلفة بشكل جذري، ولذا يجب على المؤسسات القائمة أن تتعامل مع هشاشة الأنساق والعمليات الحيوية التي لا يمكن استبدالها بغيرها، فلا يمكن استبدال طبقة الأوزون أو الاستقرار المناخي على سبيل المثال. وأدت هذه العلاقة السلبية بين الإنسان والبيئة في العصر الحديث الى ظهور طائفة من الظواهر الطبيعيه الخطيرة، والتي استدعت اهتمام العالم أجمع ورغبته في مواجهة هذه المشكلات ودراستها للحد من أخطارها وآثارها الضارة على الإنسان والبيئة على حد سواء، مما أدى هذا الأمر الى خلق نظرة جديدة وصارمة من قبل المجتمع الدولي لبحث تلك الآثار من خلال إقامة المؤتمرات وإبرام الاتفاقيات والمعاهدات والبرتوكولات الدولية، ناهيك عن الاهتمام الداخلي بتلك القضايا البيئية. ومن تلك المعطيات أخذ الفقه العالمي الدولي في إعادة النظر مع التعامل في مسألة الضرر البيئي كواقعة حتمية، وظهرت فكرة المسؤولية الدولية عن الأضرار البيئية، والتي بالضرورة لم تخلُ من الجدل الفقهي الكبير وتضارب فلسفي قانوني حول الأساس الفقهي لتلك المسؤولية، فالبعض من الفقه يرى أن الخطأ هو أساس المسؤولية، وأخرون ينظرون إلى فكرة المخاطر لقيام المسؤولية، ومنهم من أخذ بفكرة العمل غير المشروع التي تقوم على أساسها المسؤولية الدولية على الأضرار البيئية. وكان لمحكمة العدل الدولية دور رئيس في وضع الأسس والقواعد المتعلقة بالقانون الدولي ومنها القضايا البيئية، على الرغم من أن مساهماتها لم ترتقِ إلى مستوى الطموح لما أفرزته القضايا والمشاكل البيئية من أضرار نتج عن ذلك الأمر نزاعات دولية، فكان من الضرورة بمكان أن تكون هناك وسائل لتسوية هذه النزاعات وخاصة أن من أهم مبادئ هيئة الأمم المتحدة تسوية النزاعات الدولية بالطرق السلمية وحفظ الأمن والسلم العالميين، ولأن النزاعات الدولية البيئية ذات طابع خاص، لابد أن يكون لحلها ذات المكانة، وتبرز تلك الأهمية من محاولة أولى، ابتداء في ردع السلوكيات الضارة بالبيئة، حيث إنه وفي الوقت الراهن لم تنشأ بعد محكمة دولية واحدة متخصصه بالقضايا البيئية، والتي يمكن معها أن يطرح عليها هذا النوع من النزاعات بطرق ووسائل تختلف عن آليات تسوية المنازعات الدولية التقليدية. والمؤلف من خلال تلك المعطيات ينحصر بحثه حول الإطار القانوني الناظم للمسؤولية الدولية وقت السلم، فعلاوة على أهمية هذا الموضوع فإنه يحتل موقفاً خاصاً ومميزاً في القانون الدولي العام والقانون الدولي البيئي، على الرغم من أنه لم يلقَ حتى الآن الاهتمام المنشود من أجل الكشف عن قواعد ضابطة لتسوية تلك المنازعات البيئية وإيجاد الوسائل الملائمة لها في ظل الطبيعة الخاصة والمميزة للقانون الدولي البيئي وقضايا البيئة، فمثل هذا الموضوع يثير الكثير من المشاكل والتساؤلات، فمن الثابت أن المشاكل المتعلقة بالبيئة لها خصائص تميزها عن سواها من حيث تنوعها وعلاقتها بعضها البعض، أو من حيث مدى الأضرار الناجمة عنها والتي يصعب تقديرها أو حتى معرفة مدى تأثيرها، عداك عن المشاكل القانونية الأخرى المتعلقة بتحديد أطراف النزاع أو المحكمة المختصة بالنظر بتلك القضايا، أو تلك القواعد القانونية الواجبة التطبيق على المنازعات الدولية البيئية.

 
:الفهرس
 
:الكتب ذات العلاقة