يرى بعض الباحثين أن علم الاتصال لا يزال في طور النمو وهذه سمة لأغلب العلوم الإنسانية، وكما هو الحال بالنسبة لكثير من المصطلحات المستحدثة في العلوم الاجتماعية والإنسانية والمستمدة أساساً من العلوم الطبيعية فإن العلماء لم يتفقوا حتى الآن على نسق واحد للكلمة، ولذا فقد يكفي هنا أن نقول إن "الاتصال" هو العملية التي يتم بمقتضاها تكوين العلاقات بين أعضاء المجتمع بصرف النظر عن حجم هذا المجتمع وطبيعة تكوينه، وتبادل المعلومات والآراء والأفكار والتجارب فيما بينهم. والواقع أن ثمة اجتماعاً بين العلماء على اعتبار الاتصال عملية أساسية في حياة المجتمع، وأن كل ما يتصل بانتقال الأفكار والمعلومات من فرد لآخر أو من جماعة لأخرى يدخل ضمن هذه العملية، سواء أكانت هذه الأفكار والمعلومات ذات طبيعة اجتماعية أو ثقافية أو علمية، وسواء أكانت تتصل بالناس أنفسهم أو بالبيئة (العالم الخارجي) التي يعيشون فيها، أو حتى بتجربة الفرد نفسه مع نفسه، وفي هذه الحالة الأخيرة تكون عملية الاتصال باطنية أو داخلية تماماً، بحيث يتم الاتصال بين الفرد وذاته كما هو الحال حين يقلب الفرد في ذهنه أفكاره وآراءه الخاصة، وحين يدرس ذاته ويضعها موضع التحليل والنقد والمحاسبة المؤاخذة. كما أن كل عناصر الثقافة التي يمكن نقلها ــ أو توصيلها ــ من فرد لآخر أو من جماعة لأخرى أو من جيل لآخر تؤلف مادة الاتصال. وعلى الرغم من الحداثة النسبية لعلم الاتصال فإنه علم شديد التعقيد، يستمد أصوله ومسائله من عدة علوم أخرى لعل أهمها هي العلوم الاجتماعية وعلم النفس وعلم اللغة والسياسة، فضلاً عن كثير من التأثيرات الواضحة فيه من العلوم الطبيعية. إلا أن (الاتصال) ذاته كعملية كان بغير شك ملائماً لنشأة المجتمع الإنساني، وإن كانت عملية الاتصال ومادته تتخذان بطبيعة الحال أشكالاً عديدة مختلفة تتفق ومختلف مراحل التطور الاجتماعي والذهني والثقافي للجنس البشري.