تحدثنا في الجزء الأول من هذه الموسوعة والموسوم بـ (شرح قانون محكمة أمن الدولة رقم 17 لسنة 1959 وتعديلاته ـ دراسة تحليلية تطبيقية في الاحكام العامة) عن الأحكام العامة المتعلقة بقانون محكمة أمن الدولة باعتبارها محكمة خاصة، وعن نشأتها التاريخية إبان نشأة إمارة شرق الأردن وعن السند الدستوري والتشريعي الذي جذّر وأصّل وجودها باعتبار أن الدستور هو سندها الدستوري، وقانونها هو السند التشريعي لاختصاصها، كما تحدثنا عن تشكيلها وتشكيل النيابة العامة فيها، ثم الاختصاصات المنعقدة لهذه المحكمة بموجب قانونها والقوانين المرتبطة به والمحددة بموجب نص المادة الثالثة من قانون محكمة أمن الدولة رقم 17 لسنة 1959 وتعديلاته والتي حددت اختصاصاتها على سبيل الحصر، كما تطرقنا للحديث عن أنواع المحاكم الخاصة بالأردن باعتبار أن محكمة أمن الدولة من المحاكم الخاصة التي نص الدستور على تشكيلها، وتحدثنا بصورة موجزة عن الاختصاصات المنعقدة لهذه المحكمة وقواعد الاختصاص فيها بالاضافة للتميز الموجود بالأحكام الخاصة للاشتراك الجرمي في الجرائم الداخلة باختصاصها والأصول الإجرائية المتبعة أمامها، وفي سابقة اجتهادية قانونية كان لنا فرصة الحديث عن ضمانات المحاكمة العادلة أمام محكمة أمن الدولة لجهة الضمانات المتوفرة في تشكيل المحكمة وفي الإجراءات المتبعة في المحاكمة أمامها واجراءات التحقيق أمام النيابة العامة لمحكمة أمن الدولة. وبتوسع، تحدثنا عن الطعن في القرارات الصادرة عن هذه المحكمة في الجنايات والجنح والطعن في الأحكام الصادرة عنها بعقوبة الإعدام وبعقوبة جنائية لا تقل عن عشر سنوات وفي الأحكام الغيابية، والطعن في القرارات الإعدادية الصادرة عن المحكمة إبان السير في اجراءات المحاكمة عند نظر الدعوى، واختتمنا الجزء الأول بالحديث عن وقف تنفيذ العقوبة في الأحكام الصادرة عن هذه المحكمة وإعادة الاعتبار للأشخاص المحكومين فيها، مؤيدين كل ذلك باجتهادنا الخاص وبالقرارات الصادرة عن محكمة التمييز تأيداً ونقضاً لما اجتهدت به محكمة أمن الدولة. وخلصنا كنتيجة إلى أن محكمة أمن الدولة هي محكمة دستورية لأن إنشاءها استند إلى الدستور ونصوصه، فهي تُمارس عملها بموجب قانونها الذي يحدد آلية تشكيلها واختصاصاتها وفيها من ضمانات المحاكمة العادلة ما يمكن أن يؤسس لمحاكمة مستقلة عادلة ونزيهة، وفِي نظامها الإجرائي تراعي الأصول العامة المستمدة من قانون أصول المحاكمات الجزائية مع استثناءات مبررة وردت لجهة طبيعة الجرائم الداخلة في اختصاصها، وفِي استقلالها تبني أحكامها على البينات التي تقدم أمامها دونما التفات إلا لضميرها وقناعة قضاتها ونصوص القانون، مستمدة كل ذلك من مهنية وكفاءة ونزاهة قضاتها. وسنقوم بهذا الجزء الثاني من الموسوعة ـ ما استطعنا الى ذلك سبيلاً ـ أن نبين اختصاص محكمة أمن الدولة بالنظر في جرائم المخدرات استناداً إلى قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 23 لسنة 2016 وتعديلاته باعتبار أن الاختصاص منعقد لهذه المحكمة على سبيل الحصر في الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، لما لهذه الجرائم من أهمية ومساس بالأمن الاجتماعي والاقتصادي للمملكة الأردنية الهاشمية، لذا فقد ارتأى المشرع إسناد هذا الاختصاص بهذه الطائفة من الجرائم إلى محكمة مختصة اختصاصاً نوعياً هي "محكمة أمن الدولة"، وأصّل سند هذا الاختصاص بنص المادة الثالثة من قانونها. وفي هذا الجزء من هذه الموسوعة سنعرض وبشكل مفصّل لشرح قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 23 لسنة 2016 وتعديلاته من خلال التطرق للتطور التاريخي التشريعي لقوانين المخدرات والمؤثرات العقلية في المملكة الأردنية الهاشمية ونستعرض النشأة الأولى لها، والمراحل القانونية التي مرت على هذه القوانين مع ما طرأ على كل قانون من تعديلات في النصوص بإيجاز دون إخلال بأهم تلك التعديلات، ثم نبين المفاهيم المرتبطة بقانون المخدرات والمؤثرات العقلية باعتبار أن لهذه المفاهيم اتصال وثيق بالنصوص القانونية الواردة في هذا القانون ويعسرُ على الكثيرين استنباط قصد المشرع من هذه المفاهيم وكذلك الأحكام الخاصة الواردة في هذا القانون الساري المفعول، وفي فصل ثالث نتعرض لصور وأنواع الجرائم الواردة في هذا القانون مع شرح تفصيلي تأصيلي للنصوص القانونية والتطبيق العملي لها من خلال دراسة أركان وعناصر كل جريمة على حدة مستندين في ذلك كله إلى المبادئ القانونية في الأحكام الصادرة عن محكمة أمن الدولة وتلك التي استقرت عليها محكمة التمييز بصفتها الجزائية عند النظر بالطعون التي ترفع أمامها في الأحكام الصادرة عن محكمة أمن الدولة ونضيف كلما شعرنا بفائدة للقارئ الكريم ـ رأينا واجتهادنا الخاصين ـ من خلال تجربتنا العملية فيما يعرض من مسائل تحتاج إلى توضيح وتعليق. كما سنتطرق للحديث وبشكل موسع عن الطعن في الأحكام الصادرة عن محكمة أمن الدولة في القضايا المرتبطة بقانون المخدرات والمؤثرات العقلية من جانب عملي تطبيقي يوضح الأسباب القانونية التي تصلح لأن تكون سبباً من أسباب التمييز، كما سيكون لنا مساحة من الحديث عن وقف تنفيذ العقوبة في الأحكام الصادرة عن محكمة أمن الدولة في تلك الفئة من القضايا ومدى انطباق ذلك من خلال النصوص القانونية الواردة في القانون. وفي فصل أخير ونظراً للحاجة التي لمسناها من حيث ضرورة إعادة اندماج المحكوم عليه في القضايا المرتبطة بقانون المخدرات والمؤثرات العقلية في المجتمع إنساناً سوياً صالحاً يساهم في إعادة بناء بلده، بعد أن يكون قد نفذ العقوبة المحكوم بها تنفيذاً كاملاّ سنتحدث عن إعادة الاعتبار للمحكوم عليه بعد صدور القرار بحقه من محكمة أمن الدولة في أي جريمة من الجرائم المرتبطة بقانون المخدرات، كل ذلك بشكل عملي واقعي يتوافق مع قصد المشرع وغايته. وإننا في هذا الجزء من الموسوعة سنخرج عن نمط الكتابة التقليدية التي ترسم النصوص القانونية أمامنا بقالب خشبي جامد ونعرضها للقارئ بصورة تُسكن الألفة بين القارئ وبين تلك النصوص بحيث نضيء المساحات المعتمة في بعضها ونقشع الغيوم المتلبدة حول أخرى، وذلك في عرضٍ شاملٍ وافٍ لكل جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون دون أن يكون هذا العرض نظرياً فقهياً كما درج على ذلك العديد من شرّاح القانون الجنائي، بل سيكون ذلك مزجاً بين النظرية والتطبيق والتحليل لأركان وعناصر كل جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون وفقاً لما أصدرته محكمة أمن الدولة واستقرت عليه محكمة التمييز بصفتها الجزائية ونعرض كلما رأينا أن هناك عُسراً في الفهم رأينا القانوني مجرداً من الأهواء، قاصدين إخراج مغزى المشرع من حيز الأشكال إلى حيز الوضوح والتجلّي، مع إيماننا أن الاختلاف بالرأي في المسائل الاجتهادية هو سبب يُثري ويُغني، كل ذلك ليس لغاية أو لشيئ إلا لنصل بالقارئ الكريم إلى فهمٍ عملي شاملٍ لأحكام قانون المخدرات والمؤثرات العقلية بالصورة التي يمكن معها أن يُسهل هذا الجزء من هذه الموسوعة عمل المشتغلين بهذا الحقل القانوني، وليزيح عن صدورهم عبء تفسير نصوص هذا القانون، آملين من ذلك أن يكون هذا الجهد إثراءٌ لمكتبتنا القانونية الجنائية الأردنية بما يمكن أن يكون باكورة إنتاجٍ قضائي عملي تطبيقي أول لخوض هذا الغمار، ونترك للتاريخ هذا الجهد بصمة، عله أن يكون يوماً ما عوناً للباحث القانوني في هذا المجال.