نحمدك يا من تنزهت عن الاشياء والنظائر، ونشكرك اذ انرت بصائرنا بتنوير الابصار والبصائر فمنحتنا من دور البيان زواهر الجواهر، واوليتنا من غرر التباين بدائع التواضع الزواهر، وفتحت لنا باب المنح من مبسوط فيضك لايضاح الحقائق، وكشفت لنا خزائن الاسرار لاستخراج دور البحار من كنز الدقائق، وافضت علينا من مجمع انهر الهداية نهرا فائقا، وبسطت لنا من ملتقى ابحر الدراية بحرا رائقا، ونسالك دوام العناية والوقاية في البداية والنهاية، ورد المحتار الى نهج الهدى بملتقط الدر المختار بنور سراجك الوهاج السامي المنار. اللهم إنا نحمدك على عميم الائك، ونصلي ونسلم على انبيائك واوليائك وعلى اصحابهم الطاهرين وتابعيهم باحسان الى يوم الدين، فاهدنا بشفاعتهم الى الطريق الامين انك قدير وبالاجابة جدير. اما بعد، فيقول العبد الفقير الجاني سليم بن رستم باز اللبناني: ان علم الفقه اشرف العلوم قدرا واوفرها فائدة وذخرا، اذ بسيف حجته تقطع المنازعات، وبسوي محجته تعلم الحقوق والواجبات، وبساطع نوره يهتدي الى سبل الحق والرشاد، وباتباع قويم سننه تزادن الاعمال بالحكمة والسداد، ولهذا قام على تأليف اصوله واستنباط فروع المسائل من صحيح نقوله فحول العلماء الاعلام وجهابذة ملة الاسلام، نخص بالذكر منهم صاحب المذهب الامام الاعظم الحائز في هذا العلم المقام الرفيع المعظم المتحلي بحلى الزاهد القانت ابا حنيفة نعمان بن ثابت رضي الله عنه، فهو مدون الفقه وابو عذره واليه مرجع عزه وفخره، فأخذ عنه كرام الاصحاب، واستضاء بنور مشكاته الاثمة الانجاب، فألفوا في الفقه وابدعوا وبالغوا في ايضاح مبانيه وتوسعوا، واتفقوا على كثير من مبادئ فكان اختلافهم رحمة واسعة، الا ان تأليفهم لم تف برغبة الطالب ومنية الراغب فانها بين موجز ومطول وليس فيها من متوسط عليه يعول، ومع هذا فقد بلغوا في الانجاز حد الالغاز، وتجاوزوا في التطويل والاسهاب الى حد تضل[8]فيه الالباب، وفي كلامهم غالبا من الغموض والابهام عقبات يكبو فيها جواد الافهام. ولهذا انبط بنواصي الامال وضع كتاب سهل المنال، يختار فيه صحيح الاقوال، فحقق الله هذه المنية وحبانا هذه البغية، اذ وضعت الدولة العلية كتاب المجلة المسمى بالاحكام العدلية الفته لجنة من العلماء المحققين ونخبة من المدققين، فجاء فريدا في بابه باسم الثغر لطلابه، لم تنسج على منواله يد الافكار، جمع من دور المعاني ما يزري بدرر البحار، يسمو برقة العبارة على كل ما حرره الاوائل غير انه لضيق اطاره لم يحو الا القليل من المسائل. فبعد ان قرأته مرارا قراءة امعان واتقنت فهم مسائله غاية الاتقان، الفيته لا يستغنى عن الشرح والايضاح، وتبيان مسائله بنظائرها من جواهر الاقوال الصحاح، فاستمطرت لقريحتي الخامدة غيث الكريم الفتاح وسألته الهداية لنهج النجاة وراقي الفلاح، وبسطت له شرحا وافيا اوضحت فيه ما غمض من اسراره ايضاحا شافيا، وزدت فيه ضوابط مهمةوفروعا كثيرة فوائدها جمة، وعزوت كل فرع الى اصله، كل شيء الى ماخذه ومحله، حتى الحجج والدلائل وتعليلات المسائل. واما ما كان من مبتكرات فكري الفاتر ومواقع نظري القاصر فهو يسير لا يبلغ عدد الانامل ولا يكاد يتجاوز حركات العوامل، ومع ذلك فقد اشارت اليه ونبهت عليه وبينت ما هو الاقوى وما عليه الفتوى، معتمدا في ذلك على ما نقحه العلماء الاعلام وعلى ما صححه الائمة العظام من المتقدمين والمتأخرين، رحمهم الله تعالى ارحم الراحمين.