حماية المال العام في ظل المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي-دراسة مقارنة

ISBN 9789957168995
الوزن 0.800
الحجم 17×24
الورق ابيض
الصفحات 376
السنة 2019
النوع مجلد

تحظى نظريّة الأموال العامة بمكانةٍ خاصةٍ واهتمامٍ كبيرٍ في أنظمة الدول الحديثة، وقد عنيت أنظمة الدول الاقتصادية من خلال التشريعات المدنيّة والإداريّة والجزائيّة على مرّ التاريخ بتعزيز الحماية القانونية للمال العام، وتوفير كافة سبل الوقاية السابقة والعقوبة اللاحقة والإجراءات الحازمة، لحفظ مقدرات الشعب ومقومات الدولة وركائز المجتمع. وقد حرصت التشريعات الوضعية عند وضعها للقواعد القانونية كلّ الحرص على اكتناف المصالح العليا للدولة وممتلكاتها بحماية خاصة تحقق الردع والزجر والعقاب، من خلال ضبط النصوص وإحكام صيغها على نحوٍ يضمن تحقيق ذلك الهدف، سيما وأن مصادر الخطر التي تهدد المال العام كثيرةً ومتعددةً، سواء أكانت صادرةً عن أشخاصٍ طبيعيةٍ أم معنويةٍ. وإذا كان الشخص الطبيعي يحتل المقام الأول فيما يصدر عنه من أفعالٍ جرمية تقتضيها طبيعته المرتبطة بالأفعال المادية والتفكير العقلي والنية الجرمية ؛ فإن للشخص المعنوي كذلك طبيعةٌ خاصةٌ تحدّد أنواع الجرائم التي يمكن أن يقدم على ارتكابها بوساطة ممثليه من الأشخاص الطبيعيين، وإزاء ذلك فإن هناك جرائم خاصة قد يقدم الشخص المعنوي على ارتكابها كالاحتيال والاختلاس والتزوير، ولكنه لا يتصور أن يقدم على القتل أو الشتم أو غير ذلك، وينبني على ذلك أن هناك عقوباتٍ خاصةٌ وإجراءاتٍ محددةٌ تتعلق بالشخص المعنوي تختلف عن تلك المتعلقة بالشخص الطبيعي، فلا يتصور إعدام الشخص المعنوي كما الطبيعي أو حبسه، فهو لا يفكّر ولا يشعر، وهذا يحتاج إلى نصوصٍ قانونيةٍ خاصةٍ به تناسب طبيعته. وقد اقتضى الأمر ودعت الحاجة إلى تنظيم شؤون الشخص المعنوي، ليتمتع بحقوقٍ وامتيازاتٍ واستقلالٍ وأهليةٍ مؤداها مجتمعةً إمكانية ارتكابه للجرائم وصلاحيته للعقاب، وبين هذا وذاك إقرار ما يسمى بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي، ولتجد محلها على خريطة القواعد الموضوعية والشكلية في بنيان القوانين الجزائية، بل وأكثر من ذلك إفراد نصوصٍ خاصةٍ وقواعد واضحةٍ محددةٍ تضمن تلك المسؤولية لا سيما عندما يتعلق الأمر بالجرائم المرتكبة بحق المال العام، والتي يُتصور ارتكابها من قبل الشخص المعنوي كالرشوة والتزوير والاحتيال والاختلاس والإضرار والاستيلاء وغير ذلك. ورغم اختلاف الفقهاء واحتدام الجدل حول المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي بين مؤيدٍ ومعارضٍ، واستناد كلّ فريقٍ إلى حججٍ وأدلةٍ وأسانيد وقناعاتٍ مردّها اختلافٌ سابقٌ في وجود الشخص المعنوي وكينونته، إلا أن هذا الأمر غدا حقيقةً واقعةً ونصوصاً مدوّنةً وقواعد واضحةً وعقوباتٍ محددةٍ تقتضي المزيد من البحث والدراسة، وهو الأمر الذي حدا بالباحث إلى دراسة هذا الجانب المتعلق بمسؤولية الشخص المعنوي الجزائية وأثرها في حماية المال العام، كي لا يتوارى الشخص المعنوي وممثلوه عن المساءلة القانونية، سواء أكان من الأشخاص المعنوية العامة أم الخاصة، وصولاً إلى حمايةٍ حقيقيةٍ للمال العام، كما في الدول التي قطعت شوطاً كبيراً وحققت تقدماً تشريعياً ملموساً في مساءلة الأشخاص المعنوية العامة كالهيئات والوزارات والمؤسسات العامة. وبعد أن أصبح الشخص المعنوي حقيقةً قانونيةً (juridical fact) إلى جانب كونه حقيقةً واقعيةً (actual fact)، وبعد أن أصبحت جرائمه من الخطورة والتعدد والكثرة والأهمية ؛ وبعد أن أصبحت أعداده من الضخامة، فقد تحتّم على المشرع الجزائي التدخل لينظم العقوبة التي يستحقها، وبالطريقة التي تتناسب مع طبيعته، ومع طبيعة الجرائم التي يرتكبها، ونظراً لكون قانون العقوبات هو الشريعة العقابية الرئيسة في الدولة، فلا بد لكلّ باحثٍ في المجال العقابي من البحث أولاً في قانون العقوبات، فإن لم يجد مبتغاه تحوّل إلى القوانين العقابية المكمّلة. ولأن قانون العقوبات تتمثل فيه السياسة الجزائية للتجريم والعقاب المعبرة عن فلسفة الدولة في هذا المجال، ولأنه يعبّر عن مدى التطور الحاصل في كافة مناحي الحياة في المجتمع، فإنّه يمكن القول وبكلّ ثقةٍ: إنّ قانون العقوبات هو المرآة العاكسة لحقيقة ما هو عليه المجتمع من تطورٍ، وأنّ إدراج الأحكام العامة لجزاءات الشخص المعنوي وبشكلٍ صريحٍ وواضحٍ في القسم العام من قانون العقوبات، جنباً إلى جنبٍ مع الأحكام العامة لعقوبات الشخص الطبيعي، يُعدّ تطوراً تشريعياً حميداً، يمثل التجاوب المطلوب مع أهمية الشخص المعنوي في حياة الفرد والمجتمع، ويُخضعه إلى مجمل الأحكام الواردة فيه إلا ما يتنافى مع طبيعته (المغربي والزعبي، 2011). وعليه فإنّ هذه الدراسة تقوم على بيان المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في كلِّ من الأردن وفرنسا وأثرها في حماية المال العام في النص والتطبيق، والإجراءات التي تضمن تحقيق هذا الهدف حفاظاً على مصلحة المجتمع وأمواله التي يتشارك فيها الدولة والأفراد على حدٍّ سواء.

الصفحةالموضوع
13 المقدمة
الفصل الأول
تطور فكرة المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي والمال العام وماهيتهما
20 المبحث الأول: تطوّر فكرة المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
20 المطلب الأول: المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في التشريعات السابقة
20 الفرع الأول: المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في التشريعات القديمة
23 الفرع الثاني: المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في الشريعة الإسلامية
24 الفرع الثالث: المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في القانون الفرنسي القديم
28 المطلب الثاني: الخلاف الفقهي حول وجود الشخص المعنوي
33 المطلب الثالث: الخلاف الفقهي حول المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
45 المبحث الثاني: المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في التشريعات الحديثة وماهيتها
45 المطلب الأول: المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في فرنسا
49 المطلب الثاني: المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في الأردن
58 المطلب الثالث: ماهية المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي وأساسها
58 الفرع الأول: تعريف المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
60 الفرع الثاني: أساس المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
63 المبحث الثالث: تطوّر مفهوم المال العام ومعايير تمييزه
63 المطلب الأول: نشأة مفهوم المال العام وتطوره
63 الفرع الأول: نشأة مفهوم المال العام وتطوره في القانون الروماني
66 الفرع الثاني: المال العام في الشريعة الإسلامية والأنظمة الأخرى
68 الفرع الثالث: تطوّر مفهوم المال العام في فرنسا
72 المطلب الثاني: معايير تمييز المال العام
77 المطلب الثالث: دور القضاء والتشريع الفرنسي في تدعيم ووضع معايير تمييز المال العام
78 الفرع الأول: دور القضاء الفرنسي في تدعيم معايير تمييز المال العام
79 الفرع الثاني: دور المشرع الفرنسي في وضع معيار تمييز المال العام
81 المبحث الرابع: ماهية المال العام
81 المطلب الأول: تعريف المال العام ومفهومه الجنائي
81 الفرع الأول: تعريف المال العام
85 الفرع الثاني: المفهوم الجنائي للمال العام
91 المطلب الثاني: تكييف حق الدولة على الأموال العامة
95 المطلب الثالث: النظام القانوني الذي يحمي الأموال العامة
103 المطلب الرابع: مصادر الأموال العامة وتغيّر صفتها
الفصل الثاني
نطاق المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي عن جرائم المال العام
110 المبحث الأول: النطاق الموضوعي لمسؤولية الشخص المعنوي الجزائية عن جرائم المال العام
111 المطلب الأول: أهمية تحديد مسؤولية الشخص المعنوي الجزائية عن جرائم المال العام
121 المطلب الثاني: المسؤولية الجزائية المباشرة للشخص المعنوي عن جرائم المال العام
128 المطلب الثالث: المسؤولية الجزائية غير المباشرة للشخص المعنوي عن جرائم المال العام
136 المبحث الثاني: المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي العام عن جرائم المال العام
136 المطلب الأول: مفهوم الشخص المعنوي العام
141 المطلب الثاني: نطاق المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي العام عن جرائم المال العام
142 الفرع الأول: المسؤولية الجزائية للدولة عن جرائم المال العام
145 الفرع الثاني: المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية العامة الأخرى عن جرائم المال العام
154 المطلب الثالث: معيقات المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي العام عن جرائم المال العام
المبحث الثالث: المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي الخاص عن جرائم المال العام 164
164 المطلب الأول: مفهوم الشخص المعنوي الخاص وأساس مسؤوليته الجزائية عن جرائم المال العام
169 المطلب الثاني: مبررات المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي الخاص عن جرائم المال العام
177 المطلب الثالث: تحديد الأشخاص المعنوية الخاصة المسؤولة جزائياً عن جرائم المال العام
الفصل الثالث
أحكام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي عن جرائم المال العام
184 المبحث الأول: شروط المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي عن جرائم المال العام
المطلب الأول: ارتكاب الجريمة بواسطة أحد أعضاء الشخص المعنوي وممثليه 185
194 المطلب الثاني: ارتكاب الجريمة لحساب الشخص المعنوي
198 المطلب الثالث: ارتكاب الجريمة باسم الشخص المعنوي أو بإحدى وسائله
204 المبحث الثاني: أثر المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي عن جرائم المال العام
204 المطلب الأول: أثر مسؤولية الشخص المعنوي الجزائية على ذات الشخص المعنوي
204 الفرع الأول: تحديد المركز القانوني للشخص المعنوي
208 الفرع الثاني: خضوع الشخص المعنوي إلى الإجراءات الجزائية المقررة
212 الفرع الثالث: تعرّض الشخص المعنوي إلى الجزاءات المقررة للجريمة
216 المطلب الثاني: أثر مسؤولية الشخص المعنوي الجزائية على الشخص الطبيعي
225 المطلب الثالث: أثر مسؤولية الشخص المعنوي الجزائية على المال العام
236 المبحث الثالث: طبيعة المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي عن جرائم المال العام
236 المطلب الأول: خصائص المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي عن جرائم المال العام
242 المطلب الثاني: إسناد المسؤولية الجزائية إلى الشخص المعنوي في جرائم المال العام
الفصل الرابع
جرائم المال العام التي يرتكبها الشخص المعنوي والجزاء الجنائي المقرر له
254 المبحث الأول: أركان جريمة الشخص المعنوي الواقعة على المال العام
255 المطلب الأول: الركن الشرعي لجرائم المال العام التي يرتكبها الشخص المعنوي
255 الفرع الأول: أهمية الركن الشرعي لجرائم المال العام التي يرتكبها الشخص المعنوي
260 الفرع الثاني: تحديد جرائم المال العام التي يرتكبها الشخص المعنوي
266 المطلب الثاني: الركن المادي لجريمة المال العام التي يرتكبها الشخص المعنوي
266 الفرع الأول: الفعل المجرّم
268 الفرع الثاني: النتيجة الجرمية
270 الفرع الثالث: علاقة السببيّة
272 المطلب الثالث: الركن المعنوي لجريمة المال العام التي يرتكبها الشخص المعنوي
281 المبحث الثاني: الأحكام الإجرائية الخاصة بالشخص المعنوي في جرائم المال العام
281 المطلب الأول: تحريك الدعوى الجزائية ضد الشخص المعنوي في جرائم المال العام
288 المطلب الثاني: تمثيل الشخص المعنوي في قضايا جرائم المال العام
291 المطلب الثالث: الإجراءات التي يخضع إليها الشخص المعنوي في قضايا جرائم المال العام
298 المبحث الثالث: الجزاء الجنائي المقرر للشخص المعنوي عن جرائم المال العام
298 المطلب الأول: طبيعة الجزاءات الجنائية التي تطبّق على الشخص المعنوي
314 المطلب الثاني: الجزاء الجنائي المقرر للشخص المعنوي عن جرائم المال العام
317 المطلب الثالث: دور الشخص المعنوي العام في مواجهة جرائم المال العام
341 الخاتمة
349 المـراجـع

الكتب ذات العلاقة

كتب المؤلف

القانون     الجنائي حماية المال العام في ظل المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي-دراسة مقارنة
 
اضافة الكتاب الى سلة المشتريات
  الكمية:
حذف الكتاب:
   
   
 
 
انهاء التسوق
استمر بالتسوق
9789957168995 :ISBN
حماية المال العام في ظل المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي-دراسة مقارنة :الكتاب
العقيد د. مخلد ابراهيم الزعبي :المولف
0.800 :الوزن
17×24 :الحجم
ابيض :الورق
376 :الصفحات
2019 :السنة
مجلد :النوع
$30 :السعر
 
:المقدمة

تحظى نظريّة الأموال العامة بمكانةٍ خاصةٍ واهتمامٍ كبيرٍ في أنظمة الدول الحديثة، وقد عنيت أنظمة الدول الاقتصادية من خلال التشريعات المدنيّة والإداريّة والجزائيّة على مرّ التاريخ بتعزيز الحماية القانونية للمال العام، وتوفير كافة سبل الوقاية السابقة والعقوبة اللاحقة والإجراءات الحازمة، لحفظ مقدرات الشعب ومقومات الدولة وركائز المجتمع. وقد حرصت التشريعات الوضعية عند وضعها للقواعد القانونية كلّ الحرص على اكتناف المصالح العليا للدولة وممتلكاتها بحماية خاصة تحقق الردع والزجر والعقاب، من خلال ضبط النصوص وإحكام صيغها على نحوٍ يضمن تحقيق ذلك الهدف، سيما وأن مصادر الخطر التي تهدد المال العام كثيرةً ومتعددةً، سواء أكانت صادرةً عن أشخاصٍ طبيعيةٍ أم معنويةٍ. وإذا كان الشخص الطبيعي يحتل المقام الأول فيما يصدر عنه من أفعالٍ جرمية تقتضيها طبيعته المرتبطة بالأفعال المادية والتفكير العقلي والنية الجرمية ؛ فإن للشخص المعنوي كذلك طبيعةٌ خاصةٌ تحدّد أنواع الجرائم التي يمكن أن يقدم على ارتكابها بوساطة ممثليه من الأشخاص الطبيعيين، وإزاء ذلك فإن هناك جرائم خاصة قد يقدم الشخص المعنوي على ارتكابها كالاحتيال والاختلاس والتزوير، ولكنه لا يتصور أن يقدم على القتل أو الشتم أو غير ذلك، وينبني على ذلك أن هناك عقوباتٍ خاصةٌ وإجراءاتٍ محددةٌ تتعلق بالشخص المعنوي تختلف عن تلك المتعلقة بالشخص الطبيعي، فلا يتصور إعدام الشخص المعنوي كما الطبيعي أو حبسه، فهو لا يفكّر ولا يشعر، وهذا يحتاج إلى نصوصٍ قانونيةٍ خاصةٍ به تناسب طبيعته. وقد اقتضى الأمر ودعت الحاجة إلى تنظيم شؤون الشخص المعنوي، ليتمتع بحقوقٍ وامتيازاتٍ واستقلالٍ وأهليةٍ مؤداها مجتمعةً إمكانية ارتكابه للجرائم وصلاحيته للعقاب، وبين هذا وذاك إقرار ما يسمى بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي، ولتجد محلها على خريطة القواعد الموضوعية والشكلية في بنيان القوانين الجزائية، بل وأكثر من ذلك إفراد نصوصٍ خاصةٍ وقواعد واضحةٍ محددةٍ تضمن تلك المسؤولية لا سيما عندما يتعلق الأمر بالجرائم المرتكبة بحق المال العام، والتي يُتصور ارتكابها من قبل الشخص المعنوي كالرشوة والتزوير والاحتيال والاختلاس والإضرار والاستيلاء وغير ذلك. ورغم اختلاف الفقهاء واحتدام الجدل حول المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي بين مؤيدٍ ومعارضٍ، واستناد كلّ فريقٍ إلى حججٍ وأدلةٍ وأسانيد وقناعاتٍ مردّها اختلافٌ سابقٌ في وجود الشخص المعنوي وكينونته، إلا أن هذا الأمر غدا حقيقةً واقعةً ونصوصاً مدوّنةً وقواعد واضحةً وعقوباتٍ محددةٍ تقتضي المزيد من البحث والدراسة، وهو الأمر الذي حدا بالباحث إلى دراسة هذا الجانب المتعلق بمسؤولية الشخص المعنوي الجزائية وأثرها في حماية المال العام، كي لا يتوارى الشخص المعنوي وممثلوه عن المساءلة القانونية، سواء أكان من الأشخاص المعنوية العامة أم الخاصة، وصولاً إلى حمايةٍ حقيقيةٍ للمال العام، كما في الدول التي قطعت شوطاً كبيراً وحققت تقدماً تشريعياً ملموساً في مساءلة الأشخاص المعنوية العامة كالهيئات والوزارات والمؤسسات العامة. وبعد أن أصبح الشخص المعنوي حقيقةً قانونيةً (juridical fact) إلى جانب كونه حقيقةً واقعيةً (actual fact)، وبعد أن أصبحت جرائمه من الخطورة والتعدد والكثرة والأهمية ؛ وبعد أن أصبحت أعداده من الضخامة، فقد تحتّم على المشرع الجزائي التدخل لينظم العقوبة التي يستحقها، وبالطريقة التي تتناسب مع طبيعته، ومع طبيعة الجرائم التي يرتكبها، ونظراً لكون قانون العقوبات هو الشريعة العقابية الرئيسة في الدولة، فلا بد لكلّ باحثٍ في المجال العقابي من البحث أولاً في قانون العقوبات، فإن لم يجد مبتغاه تحوّل إلى القوانين العقابية المكمّلة. ولأن قانون العقوبات تتمثل فيه السياسة الجزائية للتجريم والعقاب المعبرة عن فلسفة الدولة في هذا المجال، ولأنه يعبّر عن مدى التطور الحاصل في كافة مناحي الحياة في المجتمع، فإنّه يمكن القول وبكلّ ثقةٍ: إنّ قانون العقوبات هو المرآة العاكسة لحقيقة ما هو عليه المجتمع من تطورٍ، وأنّ إدراج الأحكام العامة لجزاءات الشخص المعنوي وبشكلٍ صريحٍ وواضحٍ في القسم العام من قانون العقوبات، جنباً إلى جنبٍ مع الأحكام العامة لعقوبات الشخص الطبيعي، يُعدّ تطوراً تشريعياً حميداً، يمثل التجاوب المطلوب مع أهمية الشخص المعنوي في حياة الفرد والمجتمع، ويُخضعه إلى مجمل الأحكام الواردة فيه إلا ما يتنافى مع طبيعته (المغربي والزعبي، 2011). وعليه فإنّ هذه الدراسة تقوم على بيان المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في كلِّ من الأردن وفرنسا وأثرها في حماية المال العام في النص والتطبيق، والإجراءات التي تضمن تحقيق هذا الهدف حفاظاً على مصلحة المجتمع وأمواله التي يتشارك فيها الدولة والأفراد على حدٍّ سواء.

 
:الفهرس
 
:الكتب ذات العلاقة
 
:كتب المؤلف