الحمد لله رب العالمين، القائل عز وجل: (والذين هم لأمنتهم وعهدهم رعون)،والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين، القائل صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، ومن اتبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد؛ فهذه دروس في مادة "مصادر الالتزام" في ضوء قواعد الفقه الإسلامي والأنظمة السعودية والاجتهادات القضائية العربية والفرنسية المشهورة، وهي خلاصة منظمة للمحاضرات التي ألقيتها على طلاب كلية الحقوق في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، خلال العام الجامعي 2013/2014م، وذلك حسب البرنامج الرسمي والمفردات المقررة في مادة "مصادر الالتزامات". وقد راعيت عند إعدادها حسن الترتيب، والإيجاز في العرض، وسهولة العبارة، بعيداً عن الصرامة والتعقيد؛ وقصدت عدم الوقوف كثيراً عند التفاصيل الثانوية، والمسائل الفقهية الخلافية، حتى أجنب الدارس تشتت الفكر القانوني، وطغيان المسائل الفرعية الجزئية على المبادئ العامة الأساسية المتعلقة بمادة مصادر الالتزامات؛ فيستطيع الطالب العادي أن يتقن فهمها دون مشقة وعناء، ويعبر عن أفكاره بكل ثقة ويسر. ومؤلفنا هذا، هو الجزء الأول في شرح النظرية العامة للالتزامات، عالجت فيه المصادر الإرادية للالتزام ("التصرف القانوني")، وهي العقد والإرادة المنفردة. وأرجو أن تكون هذه المحاضرات واضحة ومفيدة، محققة للهدف الأكاديمي المنشود، قريبة لأذهان الطلاب، فتساعدهم على استيعاب المبادئ الرئيسة لنظرية الالتزام التي تعتبر بحق حجرة الزاوية بالنسبة للعلوم القانونية برمتها؛ فهي بالنسبة للقانون عامة والقانون المدني بصفة خاصة أشبه بالعمود الفقري بالنسبة لجسم الإنسان، لما تتسم به من الثبات والتجريد والمنطق والعمومية، فتساعدهم على اكتساب الملكة الفقهية القانونية الصحيحة، والله ولي التوفيق. وتحقيقاً للفائدة العلمية المرجوة، حاولت قدر المستطاع الاعتماد على اجتهادات المحاكم العليا العربية أو الفرنسية المشهورة، المتوفرة في مادة مصادر الالتزام، وخاصة منها الحديثة كلما أمكن ذلك؛ وهذا بهدف تقريب الفهم للطلاب، من خلال القضايا التطبيقية العملية التي عرضت على ساحات القضاء؛ فتساعدتهم على الإلمام بالمبادئ الفقهية الكلية وتطبيقاتها القضائية. وهذه الدراسة لمصادر الالتزامات الإرادية، رأيت أن تكون على سبيل الدراسة المقارنة، وما خلص إليه فقهاء الشريعة الإسلامية الغراء، وكذا المقابلة مع بعض التشريعات العربية، والقانون المدني الفرنسي؛ في قليل أم كثير، بما يتناسب مع المرحلة الجامعية. فما أحوجنا في هذه الحقبة إلى هذا النوع من المنهجية المقارنة، لما تثيره من جدل فقهي وإثراء أكاديمي على الصعيدين النظري والعملي؛ فإنه بالمقارنة يتضح المقال وتظهر الفكرة أكثر. والله عز وجل هو الموفق إلى ما فيه السداد في القول، والإخلاص في العمل؛ إنه لطيف لما يشاء، وعلى كل شيء قدير.