القانون الاداري - الكتاب الأول

ISBN 9789957167981
الوزن 1.000
الحجم 17×24
الورق ابيض
الصفحات 520
السنة 2014
النوع مجلد

نود أن نُقر هنا بأن وضع وتأليف مؤلف في القانون الإداري وإخراجه إلى حيز الوجود لكي يُبصر النور مهمة شاقة وغير سهلة، وذلك بسبب أن القانون الإداري حديث النشأة ويصعب تقنينه كحال فروع القانون الأخرى، وصعوبة التقنين تعود لسرعة تطور موضوعاته وتشعبها وتشابكها ولكونه يتسم بالطابع القضائي، حيث إن معظم نشأة قواعده مصدرها القضاء الإداري، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يتم تدريسه لطلبة المستوى الجامعي في مرحلة البكالوريوس، ولطلبة الدراسات العليا دراسة مُعمقة في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، بالإضافة إلى اهتمام رجال الإدارة العامة في القطاع العام ورجال الأعمال في القطاع والخاص على حد سواء لدراسته كونه على صلة وثيقة بعلم الإدارة العامة، كون القانون الإداري يتضمن القواعد القانونية العامة التي تحكم التنظيم القانوني للإدارة العامة، في حين أن علم الإدارة العامة يهتم بدراسة الجوانب الفنية والعملية لنشاط المنظمات الإدارية سواء أكانت منظمات عامة أم خاصة بهدف تحقيق الغايات والأهداف المرسومة لهذه المنظمات، مما يؤدي إلى تشابك مادتي القانون الإداري والإدارة العامة بحيث يصعب بل يستحيل في بعض الأحيان الفصل بينهما فصلاً تاماً، حيث إنهما متكاملان ومتقاطعان في آن، بالإضافة إلى تثقيف المواطن العادي إدارياً في ظل العولمة بحيث أصبح العالم قرية صغيرة بفضل ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الهائلة والمذهلة التي نعيشها ونتعايش معها حالياً في القرن الحادي والعشرين، حيث إن الدولة الحديثة هي في وقتنا الحاضر دولة الإدارة، مما يستوجب على الدول المتخلفة إدارياً الاستفادة القصوى من تجارب الدول الحديثة في مجال الإدارة، وفي هذا الإطار فإنه لا بد من اعتماد البساطة واليسر والسلاسة في طرح المعلومات والأفكار موضوع الكتاب، والابتعاد تماماً عن الدخول في السجالات والمناكفات والآراء الفقهية النظرية البحتة، بل العمل على طرح النظريات الإدارية والفكر الإداري الحديث مقروناً بالتطبيقات العملية، حيث إن النظرية والتطبيق وجهان لعملة واحدة في مجال الإدارة، ويتعذر بل يستحيل طرح أحدهما دون الآخر، وإلا غدت المادة العلمية المقدمة عقيمة، ولا تستحق جهد إعدادها ودراستها، وكذلك طرح القواعد العامة والأساسيات والمبادئ الإدارية وتفرعاتها بقوة لفتح المجال أمام المتلقي لطرح التساؤلات التي تقوده حتماً إلى البحث في الموضوعات ذات الصلة والتعمق في دراسة الأبعاد الفكرية والفلسفية الإدارية وحتى السياسية والدستورية والقانونية التي تجيب على تساؤلاته المتعلقة بالمادة العلمية موضوع هذا المؤلف. وهذا ما حاولنا إدراكه خلال تدريس مادتي القانون الإداري وعلم الإدارة العامة لطلبة القانون والإدارة في مرحلتي البكالوريوس والدراسات العليا التي تشمل مرحلتي الماجستير والدكتوراه، حيث إن هذا المؤلف جاء شاملاً للمحاضرات التي تم إلقاؤها وسيتم بإذن الله سبحانه وتعالى بإلقاء المزيد منها على الطلاب، والتي تُمثل نواة هذا المؤلف، بالإضافة إلى أن تحضير المادة العلمية لهذا المؤلف تطلب القيام برحلة استكشافية تم خلالها التحليق والإبحار حول العالم للتعرف عن قرب وعن كثب على النظم الإدارية المختلفة والمتنوعة القائمة في دول عالمنا المعاصر. وإننا سعدنا كثيراً واستمتعنا وتذوقنا لذة النشوة أيضاً لدى البحث والاطلاع والتنقيب والقراءة الشيقة والممتعة خلال رحلة التعرف المضنية والشاقة على هذه النظم الإدارية التي تتطور بشكل مذهل وسريع، والتي تم نقلها بأمانة علمية تامة إلى طلابنا وقرائنا المهتمين من رجال إدارة ومواطنين عاديين الأعزاء في هذا المؤلف، مع التنويه أن المادة العلمية للقانون الإداري تُمثل أهمية خاصة لدى طلبة الدراسات العليا بحكم تدريسي هذه المادة العلمية كدراسة معمقة، وتنسحب هذه الأهمية على رجال الإدارة بكافة مستوياتهم. وبما أن المجتمع والقانون فكرتان متلازمتان فإنه لا يمكن الفصل بينهما، وأنه لا يتصور أن تنشأ قواعد القانون إلا لتُطبق على أفراد المجتمع، كما أن أي مجتمع منظم لا بد له من قواعد قانونية تنظم العلاقات والروابط التي تنشأ داخله، وتكفل لهذا المجتمع أن يعيش وأن ينمو وأن يتطور لتحقيق أهدافه ومقاصده وغاياته. ومن الثابت تاريخياً أن العيش المشترك لمجموعة من الأفراد قل عددها أو كثُر في مجتمع واحد، يُحتم بالضرورة ظهور سلطة تنظيمية، أياً كان شكلها، تتولى مهمة ووظيفة تحديد الروابط والعلاقات التي تنشأ بينهم والآثار المترتبة عليها، وترسم لكل منهم الطريق الذي يجب أن لا يتنكبها باعتباره فرداً أو جزءاً أو وحدة من كل، حتى تستقيم الحياة داخل هذا المجتمع، ويأمن الجميع شر ووبال المنازعات والاحترابات والتطاحنات والفتن، وحتى لا ينقلب الأمر إلى فوضى تضيع في صخبها كل القيم والمبادئ والأسس والمثل العليا. وهذا الأمر أدى إلى ظهور الدولة، حيث إن بدايات ظهور الدولة كانت سنة 1648 على إثر توقيع معاهدة وستفاليا، وأن غايات وجود الدولة بل خروجها إلى حيز الوجود تتمثل في تحويل المجتمع من حالة الفوضى إلى حالة النظام، أي من مجتمع فوضوي إلى مجتمع مُنظم يضمن فيه كل إنسان من أفراد المجتمع حماية إنسانيته والمحافظة عليه، وبث الطمأنينة والأمن والأمان النفسي في نفسه، لأنه تتعذر الحياة مع وجود الخوف والرعب والقلق والاستهتار بحياة وحريات وحقوق الآخرين من جنس البشر، والعمل على أن يتمتع كل فرد بكامل حريته دون أن يتم انتهاكها والاعتداء عليها في إطار من المساواة والعدل وتكافؤ الفرص والموازنة بين الحقوق والواجبات بين أفراد هذا المجتمع، بالإضافة إلى قيام الدولة بإشباع الحاجات العامة للأفراد من خلال تقديم الخدمات العامة لهم بواسطة المرافق العامة، وحماية النظام العام بعناصره المتعددة: الأمن العام والصحة العامة والسكينة العامة، وذلك من خلال الضبط الإداري. وإن وسيلة تنظيم المجتمع هي القانون، إذ لا يقوم نظام دون قانون، وحيث لا يكون نظام تكون الفوضى، فالعلاقات المنظمة بين الأفراد ضرورة أولية من ضرورات الحياة الاجتماعية، وبما أن وجود القانون يتطلب وجود سلطات عامة لتشريعه وتنفيذه والرقابة على تنفيذه، فإنه في ظل قيام الدولة نشأت سلطات ثلاث هي: السلطة التشريعية، السلطة التنفيذية، السلطة القضائية، حيث تُعنى السلطة الأولى بوضع التشريع، أي وضع وصياغة القانون، وتُعنى السلطة الثانية بتنفيذ أحكام القانون، في حين أن السلطة الأخيرة تُعنى بالرقابة على إصدار وسن القانون وتنفيذه، وفض المنازعات الناشئة عن تطبيق القانون، سواء أكانت بين الأفراد فيما بينهم، أم بين الدولة والأفراد. ويتجه الفكر السياسي والدستوري والإداري الحديث بعد تطور الدولة، بعد أن أصبحت دولة حديثة ومعاصرة في الألفية الثالثة ومع بدايات القرن الحادي والعشرين الحافل بالتطورات المذهلة في ظل العولمة بحيث أصبح عالمنا المعاصر قرية صغيرة على إثر تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتطور الإداري، بحيث أصبحت الدولة الحديثة في دول عالمنا المعاصر هي دولة الإدارة، إلى نبذ أسلوب تركيز السلطة باعتبار أن هذا التركيز هو المسؤول المباشر عن الاستبداد والعسف بحقوق الأفراد وحرياتهم، إذ إن السلطة تجنح إلى أن تكون مطلقة، بحكم طبيعة النفس البشرية التي تحب بل تعشق شهوة السلطة بالإضافة إلى شهوة الثروة، فإذا كانت السلطة أساساً مفسدة، فإن السلطة المطلقة هي مفسدة مطلقة، حيث إن السلطة تتحول تدريجياً أو حتى فوراً من سلطة تحكم إلى تسلط يتحكم، وبالتالي فإنه لا سبيل ولا وسيلة ناجعة إلى منع وقوع الاستبداد بأشكاله وألوانه وصنوفه المختلفة والمتعددة، وصيانة حقوق الأفراد وحماية حرياتهم إلا بتوزيع السلطة بين سلطات أو هيئات متعددة يتحقق فيما بينها التعادل والتوازن والانضباط والرقابة المتبادلة فيما بينها، مما يتعين معه تنظيم العلاقة بين هذه السلطات التي ذكرناها آنفاً وهي التشريعية والتنفيذية والقضائية، بحيث تستطيع وتتمكن كل سلطة منها أن تلزم غيرها من السلطات حدودها وأن تقف عند حدها، وتحول دون إساءة استخدام السلطة، بل وتقاومها عند اللزوم بوسائل سلمية دستورية، محافظةً على الحقوق والحريات العامة ضد الفساد والطغيان والظلم والاستبداد، وذلك في إطار فكرة أن " السلطة تحد السلطة أو توقفها"، مما يؤدي إلى إجبار كل منها على التصرف وفقاً لأحكام القانون فقط، وليس وفقاً للنزعات والأهواء الشخصية، وقد تكفل بذلك مبدأ الفصل بالسلطات الذي نادى به المفكر السياسي والفقيه مونتسيكو، حيث إن تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات يؤدي إلى التخلص نهائياً من النظام الذي كان سائداً عند بدايات ظهور وقيام الدولة، والمتمثل بنظام " تركيز السلطة واندماجها"، حيث تتركز كافة السلطات وتندمج في يد شخص واحد أو في يد مجموعة من الأشخاص. وبذلك، فإن مبدأ الفصل بين السلطات الذي أصبح عماد الدولة الحديثة، أرسى قواعد القضاء على تركيز وظائف الدولة وتجميعها في يد سلطة أو هيئة واحدة، وعمل على توزيعها على سلطات متعددة، بحيث لا يمنع هذا التوزيع أو الفصل من تعاون ورقابة كل سلطة تجاه الأخرى، مع ضمان عدم تدخل أو اعتداء أي منها على وظائف واختصاصات الأخرى. وبموجب أحكام مبدأ الفصل بين السلطات في الدولة، فإنه تم إناطة وظيفة واختصاص التنفيذ بالسلطة التنفيذية، ولكن تنفيذ القانون يتطلب من السلطة التنفيذية ممارسة نشاط ما لتتمكن من تنفيذ القانون الذي يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة، مما يُوجب قيام الإدارة العامة التي تقوم بممارسة نشاطها الإداري لغايات إشباع الحاجات العامة للأفراد، مما أدى إلى ظهور علم القانون الإداري في بدايات القرن الثامن عشر وظهور علم الإدارة العامة أيضاً اللذين يرتبطان بصلات وثيقة يصعب بل يستحيل الفصل بينهما، وكان الفضل في ظهور هذين العلمين إلى فرنسا، وكان ذلك بعد قيام الثورة الفرنسية التي قامت على أهداف ومبادئ أهمها التخلص من ظلم واستبداد وطغيان الحكام، ومن خلال تطبيق مبادئ المساواة والعدالة بين الأفراد، والعمل على إشباع حاجاتهم العامة وحماية وصيانة حقوقهم وحرياتهم العامة. ولكن الفضل إلى رسوخ نشأة علم القانون الإداري يعود إلى مجلس الدولة الفرنسي الذي تم إنشاؤه في عهد الإمبراطور نابليون بونابرت سنة 1797، حيث أرسى قواعد هذا العلم من خلال المبادئ القضائية التي قررها هذا المجلس، ونشأة مجلس الدولة الفرنسي سبقه قيام نظام الإدارة القاضية أو الوزير القاضي، وإن كان الهدف من إنشاء مجلس الدولة إعداد مشروعات القوانين ولوائح الإدارة العام، وتقديم الاستشارات القانونية والفتاوى القانونية للإدارة العامة، وهو يتبع السلطة التنفيذية ولا يتبع السلطة القضائية، فإن هذا المجلس استطاع أن يمنح نفسه اختصاصاً قضائياً في الفصل في المنازعات الإدارية التي تنشأ بين الدولة والأفراد، بالإضافة إلى اختصاصه الأساسي المتمثل في كونه يُعتبر مستشاراً قانونياً للإدارة العامة، وبدأ يمارس الاختصاص القضائي المقيد، ثم أصبح يُمارس اختصاصاً قضائياً مطلقاً، بعد أن أرسى المبادئ العامة للقانون الإداري. وأن مصر تُعتبر الدولة العربية الأولى التي حاكت مجلس الدولة الفرنسي، حيث تم إنشاء مجلس الدولة المصري سنة 1946، وتبعتها دول عربية عديدة منها الأردن التي نص دستورها الحالي لسنة 1952 في المادة 100 منه على إنشاء محكمة العدل العليا، حيث كانت محكمة التمييز تتولى الفصل في المنازعات الإدارية بموجب قانون تشكيل المحاكم النظامية رقم 26 لسنة 1952، حتى صدور قانون محكمة العدل العليا المؤقت رقم 11 لسنة 1989، ثم صدر قانون محكمة العدل العليا الحالي والنافذ رقم 12 لسنة 1992. ولما كانت العلاقات التي تحكمها قواعد القانون ليست ذات طبيعة واحدة، فقد تعددت أقسام القانون وفروعه على أساس اختلاف طبيعة العلاقات التي يحكمها كل فرع من هذه الفروع، والتقسيم الرئيس لقواعد القانون وفروعها هو تقسيمها إلى قسمين أو فرعين: القانون الخاص، والقانون العام، ويرجع تاريخ هذا التقسيم وفقاً لتطور النظم القانونية إلى القانون الروماني، حيث أشار الفقه إلى أن القانون الخاص هو ذلك الذي تسود فيه المصلحة الخاصة، وإن القانون العام هو ذلك الذي تسود فيه المصلحة العامة، ولأسباب تاريخية انهارت هذه التفرقة بعض الوقت إلى أن عادت إلى الظهور وبقوة على أثر قيام الثورة الفرنسية سنة 1789 وترسيخ مبدأ سيادة القانون، علاوةً على سيادة المذهب الفردي والحرص على حماية الحقوق والحريات الشخصية، مما أدى إلى بروز الاختلاف الواضح بين المبادئ الأساسية للقانون المدني عن تلك التي سادت القانون الإداري. والقانون العام يُنظم العلاقات والروابط القانونية بين الدولة أو إحدى سلطاتها الثلاث وبين الأفراد، ومن هذه القوانين: القانون الدستوري الذي ينظم سلطات الدولة ويُحدد اختصاصاتها ويُحدد أيضاً العلاقة فيما بينها، والقانون المالي الذي يحكم نشاط الدولة المالي وسبل إنفاقها، والقانون الجنائي الذي يقرر المبادئ العامة للجرائم ويقرر عقوبات لها، والقانون الإداري الذي يحكم علاقة الدولة بالأفراد لدى ممارسة الإدارة لنشاطها الإداري بهدف إشباع الحاجات العامة للأفراد، حيث إن الإدارة العامة تتمتع بمركز قانوني أقوى من المركز القانوني للأفراد وتتمتع بامتيازات عديدة بهدف تحقيق المصلحة العامة، في حين أن القانون الخاص يُنظم العلاقة بين الأفراد، حيث يتمتع الأفراد بمراكز قانونية متساوية لدى تنظيم مصالحهم الخاصة، ومن فروع القانون الخاص نذكر: القانون المدني، القانون التجاري، قانون العمل، وتقسيم القانون إلى فرعين: عام وخاص، يقوم على اعتبارات عملية، ولا يقوم على اعتبارات نظرية فحسب، بسبب طبيعة ونوع العلاقات والروابط القانونية التي ينظمهما كل منهما، حيث إن القانون العام والقانون الخاص متمايزان ومتغايران دون أن يكونا متعارضين، فالمراكز والروابط القانونية التي يحكمانها متباينة. والقانون الإداري باعتباره من أهم فروع القانون العام يتعلق على وجه الخصوص كما هو واضح من تسميته بالإدارة العامة أو السلطة التنفيذية بوصفها إحدى السلطات العامة الثلاث في الدولة وهو على علاقة وثيقة بعلم الإدارة العامة والقانون الدستوري، حيث إن القانون الإداري يتضمن القواعد القانونية التي تتعلق بالإدارة العامة، ومن هنا تم وصف القانون الإداري بأنه قانون الإدارة العامة أو قانون السلطة العامة، في حين أن علم الإدارة العامة يتضمن القواعد التنظيمية والفنية والعملية لنشاط الإدارة العامة التي تُمكن الإدارة العامة من تحقيق أهدافها، في حين أن القانون الدستوري، وكما ذكرنا آنفاً يُنظم السلطات العامة في الدولة ويُحدد العلاقة فيما بينها. ومع تطور الدولة الحديثة ازدادت أهمية القانون الإداري، بعد أن تحولت الدولة من دولة حارسة تُحقق لأفرادها الأمن والعدالة إلى دولة متدخلة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بحيث تسعى الدولة إلى تحقيق الرفاهية والرخاء والسعادة لمواطنيها، حيث قطعت بعض الدول الديمقراطية في عالمنا المعاصر شوطاً طويلاً في هذا المضمار بحيث أصبح يُطلق على أمثال هذه الدول اصطلاح " دولة العناية الإلهية"، حيث إنتقلت من دول خدمات إلى دول رفاهية بحيث تقدم الأموال لمواطنيها للسياحة والاستجمام والترفيه. وفي إطار دراسة مادة القانون الإداري والبحث فيها، وإن كان الفقه الإداري التقليدي يتناول موضوعات القانون الإداري المتمثلة في: ماهية القانون الإداري، التنظيم الإداري، النشاط الإداري، عناصر السلطة الإدارية المتمثلة في العنصر البشري "الوظيفة العامة" والعنصر المادي " الأموال العامة"، وسائل السلطة الإدارية المتمثلة في القرارات الإدارية والعقود الإدارية، في اختيار بعض موضوعات منها ودراستها بشكل عشوائي دون القيام بالتسلسل والتدرج والترتيب والربط العلمي والمنطقي فيما بينها، فإن الفقه الإداري الحديث قام بمراعاة التسلسل والتدرج والترتيب والربط العلمي والمنطقي لموضوعات القانون الإداري، حيث قام هذا الفقه بدراسة هذه الموضوعات من خلال كتابين، خصص الأول منهما لدراسة ماهية القانون الإداري، التنظيم الإداري، النشاط الإداري، وخصص الثاني لدراسة عناصر السلطة الإدارية المتمثلة في العنصر البشري " الوظيفة العامة" والعنصر المادي " الأموال العامة"، وسائل السلطة الإدارية المتمثلة في القرارات الإدارية والعقود الإدارية، فإننا في دراستنا لمادة القانون الإداري، سوف ننهج ذات نهج الفقه الإداري الحديث في هذا الخصوص، حيث إننا سنبحث في هذا المؤلف مادة القانون الإداري من خلال البحث بالموضوعات أعلاه

الصفحةالموضوع
المقدمــة
الفصل الأول
ماهية القانون الإداري
المبحث الأول: مدلول القانون الإداري
المطلب الأول: تعريف القانون الإداري
المطلب الثاني: موضوعات القانون الإداري
المبحث الثاني: نشأة وتطور القانون الإداري
المطلب الأول: نشأة وتطور القانون الإداري في بريطانيا
المطلب الثاني: نشأة وتطور القانون الإداري في فرنسا
المطلب الثالث: نشأة وتطور القانون الإداري في مصر
المطلب الرابع: نشأة وتطور القانون الإداري في الأردن
المبحث الثالث: مصادر القانون الإداري
المطلب الأول: التشريع
المطلب الثاني: القضاء الإداري
المطلب الثالث: العرف الإداري
المطلب الرابع: الفقه الإداري
المطلب الخامس: المبادئ القانونية العامة
المبحث الرابع: خصائص القانون الإداري
المطلب الأول: حديث النشأة
المطلب الثاني: قضائي الأساس " الطابع القضائي"
المطلب الثالث: صعوبة التقنين
المطلب الرابع: المرونة وسرعة التطور
المطلب الخامس: الاستقلالية
المطلب السادس: إجراءات خاصة للتقاضي
المبحث الخامس: أساس ونطاق تطبيق القانون الإداري
المطلب الأول: معيار المرفق العام
المطلب الثاني: معيار السلطة العامة
المطلب الثالث: المعيار المزدوج "الجمع بين معياري المرفق العام والسلطة العامة"
المبحث السادس: علاقة القانون الإداري بعلم الإدارة العامة
المطلب الأول: مظاهر الارتباط بين القانون الإداري وعلم الإدارة العامة
المطلب الثاني: مظاهر الاختلاف بين القانون الإداري وعلم الإدارة العامة
المبحث السابع: علاقة القانون الإداري بفروع القانون الأخرى
المطلب الأول: العلاقة بين القانون الإداري والقانون الدستوري
المطلب الثاني: العلاقة بين القانون الإداري والقانون المالي
المطلب الثالث: العلاقة بين القانون الإداري والقانون الجنائي
المطلب الرابع: العلاقة بين القانون الإداري وقانون أصول المحاكمات الجزائية
المطلب الخامس: العلاقة بين القانون الإداري والقانون المدني
المطلب السادس: العلاقة بين القانون الإداري وقانون أصول المحاكمات المدنية
الفصل الثاني
التنظيم الإداري
المبحث الأول: الأسس والمبادئ العامة للتنظيم الإداري
المطلب الأول: الشخصية المعنوية العامة
المطلب الثاني: المركزية الإدارية
المطلب الثالث: اللامركزية الإدارية
المبحث الثاني: التنظيم الإداري في الدولة الأردنية
المطلب الأول: الإدارة المركزية
الفرع الأول: الإدارة المركزية الرئيسة
الفرع الثاني: الإدارة المركزية المساندة
المطلب الثاني: الإدارة اللامركزية
الفرع الأول: تنظيم المجالس البلدية
الفرع الثاني: اختصاصات المجالس البلدية
الفرع الثالث: الموارد المالية للمجالس البلدية
الفرع الرابع: تقييم أداء المجالس البلدية
الفصل الثالث
النشاط الإداري
المبحث الأول: المرافق العامة
المطلب الأول: النظام القانوني للمرافق العامة
الفرع الأول: تعريف المرفق العام
الفرع الثاني: أركان المرفق العام
الفرع الثالث: أنواع المرافق العامة
الفرع الرابع: طرق إدارة المرافق العامة
الفرع الخامس: المبادئ الضابطة لسير المرافق العامة
المطلب الثاني: أنواع أنظمة المرافق العامة
الفرع الأول: أنظمة إنشاء المرافق العامة
الفرع الثاني: أنظمة تنظيم المرافق العامة
الفرع الثالث: أنظمة إلغاء المرافق العامة
المبحث الثاني: الضبط الإداري
المطلب الأول: مفهوم الضبط الإداري
الفرع الأول: تعريف الضبط الإداري
الفرع الثاني: طبيعة الضبط الإداري
الفرع الثالث: أنواع الضبط الإداري
الفرع الرابع: الهيئات القائمة على أعمال الضبط الإداري
الفرع الخامس: معيار تمييز الضبط الإداري وتمييزه عن النظم التي تتشابه معه
المطلب الثاني: أغراض " أهداف" الضبط الإداري
الفرع الأول: مدلول النظام العام وعناصره
الفرع الثاني: خصائص النظام العام
الفرع الثالث: التمييز بين النظام العام والمصلحة العامة
المطلب الثالث: أساليب الضبط الإداري
الفرع الأول: أنظمة الضبط
الفرع الثاني: الأوامر الفردية
الفرع الثالث: التنفيذ المباشر
المطلب الرابع: صور التنظيم الضبطي
الفرع الأول: التنظيم "تنظيم النشاط"
الفرع الثاني: الحظر
الفرع الثالث: الإذن السابق "الترخيص"
الفرع الرابع: الإخطار السابق
الفرع الخامس: الجزاء الإداري
المطلب الخامس: ضوابط وقيود الإجراء الضبطي
الفرع الأول: عدم مشروعية الحظر المطلق للحرية
الفرع الثاني: عدم فرض وسيلة معينة لمواجهة الإخلال بالنظام العام
الفرع الثالث: تناسب الإجراء الضبطي مع خطورة التهديد للنظام العام
الفرع الرابع: احترام حقوق الدفاع إذا كان إجراء الضبط يتضمن عقوبة
الفرع الخامس: تناسب إجراء الضبط مع نوع الحرية المراد تقييدها
الفرع السادس: تنوع إجراءات الضبط وفقاً لظروف الزمان والمكان
الخاتمة
المــراجع

الكتب ذات العلاقة

كتب المؤلف

القانون     الاداري القانون الاداري - الكتاب الأول
 
اضافة الكتاب الى سلة المشتريات
  الكمية:
حذف الكتاب:
   
   
 
 
انهاء التسوق
استمر بالتسوق
9789957167981 :ISBN
القانون الاداري - الكتاب الأول :الكتاب
د.عصام علي الدبس :المولف
1.000 :الوزن
17×24 :الحجم
ابيض :الورق
520 :الصفحات
2014 :السنة
مجلد :النوع
$25 :السعر
 
:المقدمة

نود أن نُقر هنا بأن وضع وتأليف مؤلف في القانون الإداري وإخراجه إلى حيز الوجود لكي يُبصر النور مهمة شاقة وغير سهلة، وذلك بسبب أن القانون الإداري حديث النشأة ويصعب تقنينه كحال فروع القانون الأخرى، وصعوبة التقنين تعود لسرعة تطور موضوعاته وتشعبها وتشابكها ولكونه يتسم بالطابع القضائي، حيث إن معظم نشأة قواعده مصدرها القضاء الإداري، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يتم تدريسه لطلبة المستوى الجامعي في مرحلة البكالوريوس، ولطلبة الدراسات العليا دراسة مُعمقة في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، بالإضافة إلى اهتمام رجال الإدارة العامة في القطاع العام ورجال الأعمال في القطاع والخاص على حد سواء لدراسته كونه على صلة وثيقة بعلم الإدارة العامة، كون القانون الإداري يتضمن القواعد القانونية العامة التي تحكم التنظيم القانوني للإدارة العامة، في حين أن علم الإدارة العامة يهتم بدراسة الجوانب الفنية والعملية لنشاط المنظمات الإدارية سواء أكانت منظمات عامة أم خاصة بهدف تحقيق الغايات والأهداف المرسومة لهذه المنظمات، مما يؤدي إلى تشابك مادتي القانون الإداري والإدارة العامة بحيث يصعب بل يستحيل في بعض الأحيان الفصل بينهما فصلاً تاماً، حيث إنهما متكاملان ومتقاطعان في آن، بالإضافة إلى تثقيف المواطن العادي إدارياً في ظل العولمة بحيث أصبح العالم قرية صغيرة بفضل ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الهائلة والمذهلة التي نعيشها ونتعايش معها حالياً في القرن الحادي والعشرين، حيث إن الدولة الحديثة هي في وقتنا الحاضر دولة الإدارة، مما يستوجب على الدول المتخلفة إدارياً الاستفادة القصوى من تجارب الدول الحديثة في مجال الإدارة، وفي هذا الإطار فإنه لا بد من اعتماد البساطة واليسر والسلاسة في طرح المعلومات والأفكار موضوع الكتاب، والابتعاد تماماً عن الدخول في السجالات والمناكفات والآراء الفقهية النظرية البحتة، بل العمل على طرح النظريات الإدارية والفكر الإداري الحديث مقروناً بالتطبيقات العملية، حيث إن النظرية والتطبيق وجهان لعملة واحدة في مجال الإدارة، ويتعذر بل يستحيل طرح أحدهما دون الآخر، وإلا غدت المادة العلمية المقدمة عقيمة، ولا تستحق جهد إعدادها ودراستها، وكذلك طرح القواعد العامة والأساسيات والمبادئ الإدارية وتفرعاتها بقوة لفتح المجال أمام المتلقي لطرح التساؤلات التي تقوده حتماً إلى البحث في الموضوعات ذات الصلة والتعمق في دراسة الأبعاد الفكرية والفلسفية الإدارية وحتى السياسية والدستورية والقانونية التي تجيب على تساؤلاته المتعلقة بالمادة العلمية موضوع هذا المؤلف. وهذا ما حاولنا إدراكه خلال تدريس مادتي القانون الإداري وعلم الإدارة العامة لطلبة القانون والإدارة في مرحلتي البكالوريوس والدراسات العليا التي تشمل مرحلتي الماجستير والدكتوراه، حيث إن هذا المؤلف جاء شاملاً للمحاضرات التي تم إلقاؤها وسيتم بإذن الله سبحانه وتعالى بإلقاء المزيد منها على الطلاب، والتي تُمثل نواة هذا المؤلف، بالإضافة إلى أن تحضير المادة العلمية لهذا المؤلف تطلب القيام برحلة استكشافية تم خلالها التحليق والإبحار حول العالم للتعرف عن قرب وعن كثب على النظم الإدارية المختلفة والمتنوعة القائمة في دول عالمنا المعاصر. وإننا سعدنا كثيراً واستمتعنا وتذوقنا لذة النشوة أيضاً لدى البحث والاطلاع والتنقيب والقراءة الشيقة والممتعة خلال رحلة التعرف المضنية والشاقة على هذه النظم الإدارية التي تتطور بشكل مذهل وسريع، والتي تم نقلها بأمانة علمية تامة إلى طلابنا وقرائنا المهتمين من رجال إدارة ومواطنين عاديين الأعزاء في هذا المؤلف، مع التنويه أن المادة العلمية للقانون الإداري تُمثل أهمية خاصة لدى طلبة الدراسات العليا بحكم تدريسي هذه المادة العلمية كدراسة معمقة، وتنسحب هذه الأهمية على رجال الإدارة بكافة مستوياتهم. وبما أن المجتمع والقانون فكرتان متلازمتان فإنه لا يمكن الفصل بينهما، وأنه لا يتصور أن تنشأ قواعد القانون إلا لتُطبق على أفراد المجتمع، كما أن أي مجتمع منظم لا بد له من قواعد قانونية تنظم العلاقات والروابط التي تنشأ داخله، وتكفل لهذا المجتمع أن يعيش وأن ينمو وأن يتطور لتحقيق أهدافه ومقاصده وغاياته. ومن الثابت تاريخياً أن العيش المشترك لمجموعة من الأفراد قل عددها أو كثُر في مجتمع واحد، يُحتم بالضرورة ظهور سلطة تنظيمية، أياً كان شكلها، تتولى مهمة ووظيفة تحديد الروابط والعلاقات التي تنشأ بينهم والآثار المترتبة عليها، وترسم لكل منهم الطريق الذي يجب أن لا يتنكبها باعتباره فرداً أو جزءاً أو وحدة من كل، حتى تستقيم الحياة داخل هذا المجتمع، ويأمن الجميع شر ووبال المنازعات والاحترابات والتطاحنات والفتن، وحتى لا ينقلب الأمر إلى فوضى تضيع في صخبها كل القيم والمبادئ والأسس والمثل العليا. وهذا الأمر أدى إلى ظهور الدولة، حيث إن بدايات ظهور الدولة كانت سنة 1648 على إثر توقيع معاهدة وستفاليا، وأن غايات وجود الدولة بل خروجها إلى حيز الوجود تتمثل في تحويل المجتمع من حالة الفوضى إلى حالة النظام، أي من مجتمع فوضوي إلى مجتمع مُنظم يضمن فيه كل إنسان من أفراد المجتمع حماية إنسانيته والمحافظة عليه، وبث الطمأنينة والأمن والأمان النفسي في نفسه، لأنه تتعذر الحياة مع وجود الخوف والرعب والقلق والاستهتار بحياة وحريات وحقوق الآخرين من جنس البشر، والعمل على أن يتمتع كل فرد بكامل حريته دون أن يتم انتهاكها والاعتداء عليها في إطار من المساواة والعدل وتكافؤ الفرص والموازنة بين الحقوق والواجبات بين أفراد هذا المجتمع، بالإضافة إلى قيام الدولة بإشباع الحاجات العامة للأفراد من خلال تقديم الخدمات العامة لهم بواسطة المرافق العامة، وحماية النظام العام بعناصره المتعددة: الأمن العام والصحة العامة والسكينة العامة، وذلك من خلال الضبط الإداري. وإن وسيلة تنظيم المجتمع هي القانون، إذ لا يقوم نظام دون قانون، وحيث لا يكون نظام تكون الفوضى، فالعلاقات المنظمة بين الأفراد ضرورة أولية من ضرورات الحياة الاجتماعية، وبما أن وجود القانون يتطلب وجود سلطات عامة لتشريعه وتنفيذه والرقابة على تنفيذه، فإنه في ظل قيام الدولة نشأت سلطات ثلاث هي: السلطة التشريعية، السلطة التنفيذية، السلطة القضائية، حيث تُعنى السلطة الأولى بوضع التشريع، أي وضع وصياغة القانون، وتُعنى السلطة الثانية بتنفيذ أحكام القانون، في حين أن السلطة الأخيرة تُعنى بالرقابة على إصدار وسن القانون وتنفيذه، وفض المنازعات الناشئة عن تطبيق القانون، سواء أكانت بين الأفراد فيما بينهم، أم بين الدولة والأفراد. ويتجه الفكر السياسي والدستوري والإداري الحديث بعد تطور الدولة، بعد أن أصبحت دولة حديثة ومعاصرة في الألفية الثالثة ومع بدايات القرن الحادي والعشرين الحافل بالتطورات المذهلة في ظل العولمة بحيث أصبح عالمنا المعاصر قرية صغيرة على إثر تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتطور الإداري، بحيث أصبحت الدولة الحديثة في دول عالمنا المعاصر هي دولة الإدارة، إلى نبذ أسلوب تركيز السلطة باعتبار أن هذا التركيز هو المسؤول المباشر عن الاستبداد والعسف بحقوق الأفراد وحرياتهم، إذ إن السلطة تجنح إلى أن تكون مطلقة، بحكم طبيعة النفس البشرية التي تحب بل تعشق شهوة السلطة بالإضافة إلى شهوة الثروة، فإذا كانت السلطة أساساً مفسدة، فإن السلطة المطلقة هي مفسدة مطلقة، حيث إن السلطة تتحول تدريجياً أو حتى فوراً من سلطة تحكم إلى تسلط يتحكم، وبالتالي فإنه لا سبيل ولا وسيلة ناجعة إلى منع وقوع الاستبداد بأشكاله وألوانه وصنوفه المختلفة والمتعددة، وصيانة حقوق الأفراد وحماية حرياتهم إلا بتوزيع السلطة بين سلطات أو هيئات متعددة يتحقق فيما بينها التعادل والتوازن والانضباط والرقابة المتبادلة فيما بينها، مما يتعين معه تنظيم العلاقة بين هذه السلطات التي ذكرناها آنفاً وهي التشريعية والتنفيذية والقضائية، بحيث تستطيع وتتمكن كل سلطة منها أن تلزم غيرها من السلطات حدودها وأن تقف عند حدها، وتحول دون إساءة استخدام السلطة، بل وتقاومها عند اللزوم بوسائل سلمية دستورية، محافظةً على الحقوق والحريات العامة ضد الفساد والطغيان والظلم والاستبداد، وذلك في إطار فكرة أن " السلطة تحد السلطة أو توقفها"، مما يؤدي إلى إجبار كل منها على التصرف وفقاً لأحكام القانون فقط، وليس وفقاً للنزعات والأهواء الشخصية، وقد تكفل بذلك مبدأ الفصل بالسلطات الذي نادى به المفكر السياسي والفقيه مونتسيكو، حيث إن تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات يؤدي إلى التخلص نهائياً من النظام الذي كان سائداً عند بدايات ظهور وقيام الدولة، والمتمثل بنظام " تركيز السلطة واندماجها"، حيث تتركز كافة السلطات وتندمج في يد شخص واحد أو في يد مجموعة من الأشخاص. وبذلك، فإن مبدأ الفصل بين السلطات الذي أصبح عماد الدولة الحديثة، أرسى قواعد القضاء على تركيز وظائف الدولة وتجميعها في يد سلطة أو هيئة واحدة، وعمل على توزيعها على سلطات متعددة، بحيث لا يمنع هذا التوزيع أو الفصل من تعاون ورقابة كل سلطة تجاه الأخرى، مع ضمان عدم تدخل أو اعتداء أي منها على وظائف واختصاصات الأخرى. وبموجب أحكام مبدأ الفصل بين السلطات في الدولة، فإنه تم إناطة وظيفة واختصاص التنفيذ بالسلطة التنفيذية، ولكن تنفيذ القانون يتطلب من السلطة التنفيذية ممارسة نشاط ما لتتمكن من تنفيذ القانون الذي يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة، مما يُوجب قيام الإدارة العامة التي تقوم بممارسة نشاطها الإداري لغايات إشباع الحاجات العامة للأفراد، مما أدى إلى ظهور علم القانون الإداري في بدايات القرن الثامن عشر وظهور علم الإدارة العامة أيضاً اللذين يرتبطان بصلات وثيقة يصعب بل يستحيل الفصل بينهما، وكان الفضل في ظهور هذين العلمين إلى فرنسا، وكان ذلك بعد قيام الثورة الفرنسية التي قامت على أهداف ومبادئ أهمها التخلص من ظلم واستبداد وطغيان الحكام، ومن خلال تطبيق مبادئ المساواة والعدالة بين الأفراد، والعمل على إشباع حاجاتهم العامة وحماية وصيانة حقوقهم وحرياتهم العامة. ولكن الفضل إلى رسوخ نشأة علم القانون الإداري يعود إلى مجلس الدولة الفرنسي الذي تم إنشاؤه في عهد الإمبراطور نابليون بونابرت سنة 1797، حيث أرسى قواعد هذا العلم من خلال المبادئ القضائية التي قررها هذا المجلس، ونشأة مجلس الدولة الفرنسي سبقه قيام نظام الإدارة القاضية أو الوزير القاضي، وإن كان الهدف من إنشاء مجلس الدولة إعداد مشروعات القوانين ولوائح الإدارة العام، وتقديم الاستشارات القانونية والفتاوى القانونية للإدارة العامة، وهو يتبع السلطة التنفيذية ولا يتبع السلطة القضائية، فإن هذا المجلس استطاع أن يمنح نفسه اختصاصاً قضائياً في الفصل في المنازعات الإدارية التي تنشأ بين الدولة والأفراد، بالإضافة إلى اختصاصه الأساسي المتمثل في كونه يُعتبر مستشاراً قانونياً للإدارة العامة، وبدأ يمارس الاختصاص القضائي المقيد، ثم أصبح يُمارس اختصاصاً قضائياً مطلقاً، بعد أن أرسى المبادئ العامة للقانون الإداري. وأن مصر تُعتبر الدولة العربية الأولى التي حاكت مجلس الدولة الفرنسي، حيث تم إنشاء مجلس الدولة المصري سنة 1946، وتبعتها دول عربية عديدة منها الأردن التي نص دستورها الحالي لسنة 1952 في المادة 100 منه على إنشاء محكمة العدل العليا، حيث كانت محكمة التمييز تتولى الفصل في المنازعات الإدارية بموجب قانون تشكيل المحاكم النظامية رقم 26 لسنة 1952، حتى صدور قانون محكمة العدل العليا المؤقت رقم 11 لسنة 1989، ثم صدر قانون محكمة العدل العليا الحالي والنافذ رقم 12 لسنة 1992. ولما كانت العلاقات التي تحكمها قواعد القانون ليست ذات طبيعة واحدة، فقد تعددت أقسام القانون وفروعه على أساس اختلاف طبيعة العلاقات التي يحكمها كل فرع من هذه الفروع، والتقسيم الرئيس لقواعد القانون وفروعها هو تقسيمها إلى قسمين أو فرعين: القانون الخاص، والقانون العام، ويرجع تاريخ هذا التقسيم وفقاً لتطور النظم القانونية إلى القانون الروماني، حيث أشار الفقه إلى أن القانون الخاص هو ذلك الذي تسود فيه المصلحة الخاصة، وإن القانون العام هو ذلك الذي تسود فيه المصلحة العامة، ولأسباب تاريخية انهارت هذه التفرقة بعض الوقت إلى أن عادت إلى الظهور وبقوة على أثر قيام الثورة الفرنسية سنة 1789 وترسيخ مبدأ سيادة القانون، علاوةً على سيادة المذهب الفردي والحرص على حماية الحقوق والحريات الشخصية، مما أدى إلى بروز الاختلاف الواضح بين المبادئ الأساسية للقانون المدني عن تلك التي سادت القانون الإداري. والقانون العام يُنظم العلاقات والروابط القانونية بين الدولة أو إحدى سلطاتها الثلاث وبين الأفراد، ومن هذه القوانين: القانون الدستوري الذي ينظم سلطات الدولة ويُحدد اختصاصاتها ويُحدد أيضاً العلاقة فيما بينها، والقانون المالي الذي يحكم نشاط الدولة المالي وسبل إنفاقها، والقانون الجنائي الذي يقرر المبادئ العامة للجرائم ويقرر عقوبات لها، والقانون الإداري الذي يحكم علاقة الدولة بالأفراد لدى ممارسة الإدارة لنشاطها الإداري بهدف إشباع الحاجات العامة للأفراد، حيث إن الإدارة العامة تتمتع بمركز قانوني أقوى من المركز القانوني للأفراد وتتمتع بامتيازات عديدة بهدف تحقيق المصلحة العامة، في حين أن القانون الخاص يُنظم العلاقة بين الأفراد، حيث يتمتع الأفراد بمراكز قانونية متساوية لدى تنظيم مصالحهم الخاصة، ومن فروع القانون الخاص نذكر: القانون المدني، القانون التجاري، قانون العمل، وتقسيم القانون إلى فرعين: عام وخاص، يقوم على اعتبارات عملية، ولا يقوم على اعتبارات نظرية فحسب، بسبب طبيعة ونوع العلاقات والروابط القانونية التي ينظمهما كل منهما، حيث إن القانون العام والقانون الخاص متمايزان ومتغايران دون أن يكونا متعارضين، فالمراكز والروابط القانونية التي يحكمانها متباينة. والقانون الإداري باعتباره من أهم فروع القانون العام يتعلق على وجه الخصوص كما هو واضح من تسميته بالإدارة العامة أو السلطة التنفيذية بوصفها إحدى السلطات العامة الثلاث في الدولة وهو على علاقة وثيقة بعلم الإدارة العامة والقانون الدستوري، حيث إن القانون الإداري يتضمن القواعد القانونية التي تتعلق بالإدارة العامة، ومن هنا تم وصف القانون الإداري بأنه قانون الإدارة العامة أو قانون السلطة العامة، في حين أن علم الإدارة العامة يتضمن القواعد التنظيمية والفنية والعملية لنشاط الإدارة العامة التي تُمكن الإدارة العامة من تحقيق أهدافها، في حين أن القانون الدستوري، وكما ذكرنا آنفاً يُنظم السلطات العامة في الدولة ويُحدد العلاقة فيما بينها. ومع تطور الدولة الحديثة ازدادت أهمية القانون الإداري، بعد أن تحولت الدولة من دولة حارسة تُحقق لأفرادها الأمن والعدالة إلى دولة متدخلة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بحيث تسعى الدولة إلى تحقيق الرفاهية والرخاء والسعادة لمواطنيها، حيث قطعت بعض الدول الديمقراطية في عالمنا المعاصر شوطاً طويلاً في هذا المضمار بحيث أصبح يُطلق على أمثال هذه الدول اصطلاح " دولة العناية الإلهية"، حيث إنتقلت من دول خدمات إلى دول رفاهية بحيث تقدم الأموال لمواطنيها للسياحة والاستجمام والترفيه. وفي إطار دراسة مادة القانون الإداري والبحث فيها، وإن كان الفقه الإداري التقليدي يتناول موضوعات القانون الإداري المتمثلة في: ماهية القانون الإداري، التنظيم الإداري، النشاط الإداري، عناصر السلطة الإدارية المتمثلة في العنصر البشري "الوظيفة العامة" والعنصر المادي " الأموال العامة"، وسائل السلطة الإدارية المتمثلة في القرارات الإدارية والعقود الإدارية، في اختيار بعض موضوعات منها ودراستها بشكل عشوائي دون القيام بالتسلسل والتدرج والترتيب والربط العلمي والمنطقي فيما بينها، فإن الفقه الإداري الحديث قام بمراعاة التسلسل والتدرج والترتيب والربط العلمي والمنطقي لموضوعات القانون الإداري، حيث قام هذا الفقه بدراسة هذه الموضوعات من خلال كتابين، خصص الأول منهما لدراسة ماهية القانون الإداري، التنظيم الإداري، النشاط الإداري، وخصص الثاني لدراسة عناصر السلطة الإدارية المتمثلة في العنصر البشري " الوظيفة العامة" والعنصر المادي " الأموال العامة"، وسائل السلطة الإدارية المتمثلة في القرارات الإدارية والعقود الإدارية، فإننا في دراستنا لمادة القانون الإداري، سوف ننهج ذات نهج الفقه الإداري الحديث في هذا الخصوص، حيث إننا سنبحث في هذا المؤلف مادة القانون الإداري من خلال البحث بالموضوعات أعلاه

 
:الفهرس
 
:الكتب ذات العلاقة
 
:كتب المؤلف