أدى التطور الكبير الذي تشهده حركة التجارة الدولية إلى ذيوع وانتشار المنازعات التجارية بمختلف تشعباتها تبعاً لتنوع وانتشار المعاملات التجارية الدولية سواء في مجال المبادلات التجارية، أو نقل التكنولوجيا، أو عقود المقاولات والتشييد والبناء، أو العقود الواردة على حقوق الملكية الفكرية، أو عقود الاستثمار وغيرها من المنازعات المتصلة بالتجارة العالمية، كل ذلك دعا إلى ضرورة وضع قواعد وإجراءات لفض المنازعات الناشئة عن العلاقات التجارية المذكورة، وذلك عن طريق التحكيم المؤسسي أو المنظم الذي تتولاه منظمة أو مركز أو هيئات متخصصة في حل وتسوية المنازعات، بحيث يتم فض وتسوية المنازعات وفقاً لقواعد وإجراءات موضوعة سلفاً، مما يوفر لأطراف الخصومة من الثقة والطمأنينة والخبرة والتخصص في فض النزاع لدى المركز أو المؤسسة التي تعنى بفض النزاع، فيجنب أطراف الخصومة عناء الاتفاق على تفاصيل هذه العملية. وفي هذا النوع من طرق فض المنازعات وخاصة عن طريق التحكيم تقوم المؤسسة أو المنظمة المختصة بتنظيم إجراءات التحكيم وتقديم الخدمات المساندة لأطراف النزاع، وتبقى الغاية من ذلك تسهيل العملية التحكيمية وتيسيرها على النحو الأمثل للأطراف المتنازعة وضبطها بطريقة أصولية ومؤسساتية. وقد عملنا في هذا الكتاب على دراسة القواعد والإجراءات المتبعة في تسوية المنازعات التجارية بمختلف أنواعها وتخصصاتها لدى أهم وأبرز المنظمات العالمية والدولية وبدأنا بأعرق هيئة تعنى بالتحكيم ألا وهي غرفة التجارة الدولية، وانتقلنا بعدها إلى أساليب تسوية المنازعات الناشئة عن عقود الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين (فيديك)، ومركز واشنطن لفض منازعات عقود الاستثمار، والمنظمة العالمية للملكية الفكرية، وأيضاً هيئة الإيكان لتسوية منازعات أسماء المواقع الإلكتروني، وأخيراً منظمة التجارة العالمية. كما استعنا في إعداد هذا الكتاب بجهود ومؤلفات كبار المؤلفين والباحثين من ذوي الاختصاص في التحكيم التجاري الدولي وبالأوراق البحثية المقدمة من طلبة برنامج الدكتوراه في القانون الخاص بجامعة مؤتة، متناولين فيه: كافة أساليب وقواعد فض المنازعات لدى المؤسسات والهيئات والمنظمات المذكورة أعلاه. آملين من الله العلي القدير أن يخدم هذا الكتاب الطلبة في المرحلة الجامعية الأولى وكذلك مرحلة الدراسات العليا ويساعدهم في فهم قواعد وأحكام التحكيم التجاري الدولي وطرق تسوية المنازعات المتصلة بمختلف أشكال التجارة الدولية، ويحقق لهم ولنا الغاية المرجوة منه.