حكم التحكيم

ISBN 9789923153390
الوزن 1.500
الحجم 17×24
الورق ابيض
الصفحات 656
السنة 2026
النوع مجلد

إذا كانتِ العدالةُ في الدولةِ المعاصرةِ تتميَّزُ بكونِها عدالةً عامَّةً (Public Justice) تمارسُها الدولةُ من خلالِ أجهزتِها القضائيَّةِ المُختَصَّةِ، فإنَّ اعتباراتٍ مُتعدِّدةً اقتضتْ أَلا تبقى أجهزةُ قضاءِ الدولةِ هيَ المُحتَكِرةَ الوحيدةَ لحَسْمِ المنازعاتِ بينَ الأشخاصِ في المجتمعِ، وإنَّما يشاركُها في ذلكَ، وفي نطاقِ مُنازعاتٍ مُعيَّنةٍ على الأقلِّ، قضاءُ التحكيمِ، بِحُسبانِهِ صورةً مُنظَّمةً قانوناً من صورِ القضاءِ الخاصِّ المُعترَفِ بهِ في جميعِ النُظُمِ القانونِيَّةِ في العالمِ وعلى اختلافِ مَشاربِها. ومنَ المعلومِ أنَّ قضاءَ التحكيمِ ـ كأسلوبٍ لحسمِ المنازعاتِ بينَ الأفرادِ في المجتمعِ ـ يقومُ على مُرتَكزَيْنِ أساسِيَّينِ هُما: أوَّلاً: إرادةُ الخصومِ (Party autonomy) وثانياً: إقرارُ وتنظيمُ المُشَرِّعِ لهذِهِ الإرادةِ (State Regulation). فالدولةُ تُجيزُ التحكيمَ؛ لتُغْني الأشخاصَ عن الالتجاءِ إلى القضاءِ، مع ما تَقتضيهِ هذهِ الإجازةُ من توفيرِ الوقتِ والجهدِ والنفقاتِ عليهِم. ولهذا نَجِدُ أنَّ المُشَرِّعَ يمنحُ الخصومَ الحقَّ في اختيارِ أشخاصِ المُحكِّمينَ أو في وضعِ القواعدِ التي يتمُّ على ضوئِها اختيارُهم، كما يمنحُهمْ الحقَّ في اختيارِ شكلِ ونوعِ الإجراءاتِ التي يَتوجَّبُ على المُحكِّمِ اتِّباعُها، وفيما إذا كانتْ مؤسَّسيةً (Institutional) أو حُرَّةً (Ad hoc)، والقانونِ الذي يجبُ عليهِ تطبيقُهُ، سواءٌ على الإجراءاتِ (Lex Arbitri) أو على الموضوعِ (Substantive Law)، واللغةِ أو اللغاتِ التي يجبُ أنْ تُسيَّرَ بها إجراءاتُ التحكيمِ، ومَقرِّ التحكيمِ (Seat of Arbitration) وغيرِها من المسائلِ. ونظراً لأهمِّيةِ التحكيمِ ودورِهِ في فَضِّ المنازعاتِ بينَ الأشخاصِ في المجتمعِ، فقد اعترفتْ جميعُ التشريعاتِ الوطنيَّةِ والدوليَّةِ بسُلطةِ هيئةِ التحكيمِ بالفصلِ بالمنازعاتِ، من خلالِ إصدارِها قراراتٍ نهائيَّةً، مُلزِمةً لأطرافِ النزاعِ، مُكتسِبةً حجِّيةَ الأمرِ المقضيِّ بهِ (Res judicata)، وقابلةً للتنفيذِ، عبْرَ الجهازِ القضائيِّ للدولةِ، المطلوبِ تنفيذُ حكمِ التحكيمِ فيها، شريطةَ صدورِ هذهِ الأحكامِ على النحوِ الذي رسمَهُ القانونُ. ولكنْ، في مقابلِ اعترافِ مُشرِّعِ الدولةِ بمبدأِ سُلطانِ الإرادةِ (Party Autonomy) في نشأةِ قضاءِ التحكيمِ وتنظيمِهِ، فإنَّهُ لم يغفَلْ عن حقيقةِ أنَّ تحقيقَ العدالةِ في المجتمعِ هي من أهمِّ وظائفِ الدولةِ؛ وبالتالي فإنَّ الدولةَ، أيَّةَ دولةٍ، عندَ إجازتِها لقضاءِ التحكيمِ، لا تتنازلُ عن أداءِ هذهِ الوظيفةِ، التي هيَ من أهمِّ مظاهرِ سيادتِها، بلْ تُرخِّصُ باستعمالِها من قِبَلِ أشخاصٍ، هُمْ محَلِّ ثقةِ المُتخاصمين؛ أولئكَ همُ المحَكِّمون. وتعودُ أسبابُ هذا الترخيصِ إلى ما يُحقِّقهُ قضاءُ التحكيمِ من مزايا، باعتبارِهِ قضاءً موازياً لقضاءِ الدولة، سواءٌ بالنسبةِ للدولةِ نفسِها أو بالنسبةِ للخصومِ. ففيما يتعلَّقُ بالمزايا التي يُحقِّقُها قضاءُ التحكيمِ للخصومِ، فهيَ تختلفُ من اتِّفاقِ تحكيمٍ إلى آخرَ، ولكنَّها في جُملتِها تتمثَّلُ في الرغبةِ في الحصولِ على حكمٍ يَحسِمُ النزاعَ بطريقةٍ أكثرَ سرعةً، وأكثرَ فعاليَّةً، وأقلَّ كلفةً وأخفَّ لدداً، بالإضافةِ إلى تمكينِ الخصومِ من اختيارِ قُضاتِهم، أيْ مُحَكِّميهم، من ذوي الخبرةِ والاختصاصِ في الفصلِ في المنازعةِ ذاتِ الشأنِ، وفي الرغبةِ بالمحافظةِ على السرّيةِ في المسألةِ المتنازعِ فيها، وبالإضافةِ إلى ذلكَ تزدادُ أهمِّيةُ التحكيمِ في المنازعاتِ ذاتِ العنصرِ الأجنبيِّ، من ناحيةِ تجنيبِ أطرافِ تلكَ المنازعاتِ اللجوءَ إلى قضاءٍ وطنيٍّ غريبٍ على أحدِ المُتقاضييْنِ، إنْ لم يكنْ غريباً عليهِما معاً، ولهذا يُعدُّ قضاءُ التحكيمِ في إطارِ العلاقاتِ التجاريَّةِ الدوليَّةِ قضاءً مُحايداً (Neutral) بكلِّ ما تَحمِلهُ الكلمةُ من معنى، ويُحَقِّقُ لهم ما يُسمّى بالحيادِ الإجرائيِّ (Procedural Neutrality)، والذي لا يمكنُ أن يتوفَّرَ بالقضاءِ الوطنيِّ المرتبطِ ارتباطاً وثيقاً في دولتِهِ سيادةً وقانوناً. وأمّا فيما يَتعلَّقُ بمصلحةِ الدولةِ في إجازةِ التحكيمِ فتَتمثَّلُ ـ في الغالبِ ـ بالرغبةِ في تَخفيفِ العبءِ الكبيرِ المُلقى على عاتقِ مَحاكِمِها؛ بسببِ تَكدُّسِ وتَنوُّعِ العديدِ من القضايا في أدراجِها وعلى مكاتبِ قُضاتِها؛ الأمرُ الذي يستدعي منَ المُشَرِّعِ الوطنيِّ تشجيعَ التحكيمِ ودعمَهُ؛ لتمكينِ القضاءِ الوطنيِّ من القيامِ بدورِهِ في القضاءِ في المنازعاتِ الأُخرى الأكثرَ حسّاسيَّةً، وغيرِ المُتَّفَقِ على التحكيمِ بشأنِها أو غيرِ القابلةِ للتحكيمِ أصلاً، كالقضايا الجزائيَّةِ، وفي عدَمِ قُدرةِ القضاءِ الوطنيِّ على الفصلِ في القضايا المعروضةِ عليهِ بِشَكلٍ ناجزٍ، وفي رغبةِ الدولةِ وسَعْيِها لتحسينِ صورتِها لدى المتعاقدينَ الأجانبِ، وبالذاتِ المستثمرينَ، الذينَ قد لا يطمئنّونَ إلى استثماراتِهم إذا وَجدوا أنَّ الدولةَ المُضيِّفةَ للاستثمارِ، لا تُوفِّرُ لهم الضماناتِ الإجرائيَّةَ لحمايةِ استثماراتِهم. ولعلَّ إجازةَ الدولةِ للتحكيمِ وتوفيرَ تنظيمٍ قانونيٍّ يحترمُ إرادةَ الأطرافِ؛ يُعدُّ من أهمِّ تلكَ الضماناتِ، سواءٌ بخصوصِ المنازعاتِ التي تنشأُ بينَ المستثمرينَ وغيرِهِم منَ المتعاقدينَ، أو تلكَ التي تنشأُ بينَهم وبينَ الدولةِ؛ أو بينَهم وبينَ الأشخاصِ التابعينَ للدولةِ، هذا بالإضافةِ إلى أنَّ قضاءَ التحكيمِ أصبحَ في الوقتِ الحاضرِ صناعةً أو استثماراً يَدُرُّ دخلاً وفيراً على الدولةِ التي تَحتضِنُه؛ لذلكَ كلِّه فإنَّ من مصلحةِ الدولةِ أن يكونَ لديها نظامٌ قانونيٌّ صديقٌ وداعمٌ للتحكيمِ، لإغراءِ أطرافِ الاتِّفاقِ على التحكيمِ باختيارِها مقرّاً للتحكيمِ (Seat of arbitration). وهذا ما نلمَسُهُ بشكلٍ واضحٍ في أحكامِ القضاءِ في العديدِ من الدولِ، والتي تُبرِّرُ تعاطيها المَرِنَ والمُنحازَ نحوَ التحكيمِ، بالمحافظةِ على مكانةِ الدولةِ كمقرٍّ للتَحكيم. غيرَ أنَّ الدولةَ الحديثةَ، لم تقِفْ عندَ إقرارِها لإرادةِ الخصومِ باللجوءِ إلى التحكيمِ، وإنَّما حرصت ـ مقابلَ تنازُلِها عن الاستئثارِ المُطلقِ بالوظيفةِ القضائيَّةِ؛ والترخيصِ باستعمالِها من قبَلِ أشخاصٍ عاديِّين ـ على كفالةِ تحقيقِ الضماناتِ الأساسيَّةِ (Due Process) التي يُوفِّرها قضاءُ الدولةِ من خلالِ قضاءِ التحكيمِ، وذلكَ عن طريقِ إخضاعِ أحكامِ المُحكَّمينَ إلى رقابةِ قضاءِ الدولةِ؛ حتّى لا ينحرفَ قضاءُ التحكيمِ عن أداءِ وظيفتِهِ في تحقيقِ العدالةِ، وحتّى لا تُعتبرَ الدولةُ بالتالي مُقصِّرةً عن القيامِ بوظيفتِها القَضائِيَّةِ أمامَ شعبِها وأمامَ العالمِ، وذلكَ لِتَمَتُّعِ التحكيمِ بعدَدٍ من الضماناتِ والمزايا كحيدةِ المُحَكِّمينَ، وقَطعيَّةِ أحكامِ المُحكِّمينَ، بالإضافةِ لإمكانيَّةِ تنفيذِ هذهِ الأحكامِ على المستوييْنِ الوطنيِّ والدوليِّ، وعواملَ أخرى مثلَ المرونةِ، والسريَّةِ، والسرعةِ، والفاعليَّة،ِ بالإضافةِ إلى استقلاليَّةِ الأطرافِ، والتي تُعَدُّ من أبرزِ العواملِ الدافعةِ لاختيارِ التحكيمِ، كونَها تمنحُ الأطرافَ سلطةً واسعةً في تصميمِ شكلِ وإجراءاتِ العمليَّةِ التَحكيميَّةِ، وفقًا لنوعِ وطبيعةِ النزاعِ القائمِ بينَ الأطرافِ. ولهذا يُصَوِّرُ البعضُ ـ بِحَقٍّ ـ علاقةَ قضاءِ الدولةِ بقضاءِ التحكيمِ، كعلاقةِ من يُفوِّضُ ـ على مَضضٍ ـ جزءاً من صلاحياتِهِ إلى شخصٍ آخرَ حينَ يقولُ: "إلا أَّن الدولةَ تشعرُ بمسؤوليَّةٍ تجاهَ التحكيمِ تُشبهُ ـ في رأينا ـ مسؤوليَّةَ من فَوَّضَ جزءاً من سُلطتِهِ، ولكنَّهُ يخشى مَغَبَّةَ ذلكَ، ومِنْ ثَمَّ فهيَ، أي الدولةُ، تَحرِصُ على إخضاعِ التحكيمِ لرقابـةِ وإشرافِ قَضائِها، لتَدعمَ ثقةَ المتقاضينَ في التحكيمِ، ومنْ ثَمَّ تدعمُ فاعليَّةَ التحكيـمِ". وعليهِ فإنَّ الوظيفةَ الأبرزَ لأيِّ قانونِ تحكيمٍ، سواءٌ أكانَ داخليّاً أم دوليّاً، تتمثَّلُ في تنظيمِ العلاقةِ بين القضاءِ العاديِّ للدولةِ وقضاءِ التحكيمِ. ونؤكِّدُ ابتداءً أنَّ دورَ القانونِ في تنظيمِ علاقةِ قضاءِ الدولةِ بقضاءِ التحكيمِ لا ينحصرُ في هذهِ الزاويةِ فقط، أي الرقابةِ، فقضاءُ التحكيمِ لم يَعُدْ في الوقتِ الحاضرِ مُجرَّدَ طريقٍ استثنائيٍّ لِحَسْمِ المنازعاتِ بين الأفرادِ في المجتمعِ، تنظرُ إليهِ الدولةُ بعينِ الريبةِ والشكِّ، أو باعتبارِهِ خصماً أو مُنافساً لقضائِها، بلْ أصبحَ قضاءً أصيلاً، موازياً ومُعاوناً لقضاءِ الدولةِ، بلْ أنَّهُ يكادُ يكونُ القضاءَ الأصيلَ في المنازعاتِ التجاريَّةِ الدوليَّةِ، وفي بعضِ جوانبِ المنازعاتِ الداخليَّةِ، كالمنازعاتِ المُتعلِّقةِ بعقودِ الإنشاءاتِ (Construction Contracts)، حتّى أنَّ التحكيمَ قدِ امتدَّ في الآونةِ الأخيرةِ ليصبحَ من ضمنِ أهمِّ الوسائلِ المُتَّبعةِ في فضِّ المنازعاتِ الإداريَّة، والتي كانَ فَضُّ منازعاتِها حصراً بيدِ قضاءِ الدولةِ. وعليهِ فإنَّ علاقةَ قضاءِ الدولةِ بقضاءِ التحكيمِ، يجبُ أَلا تنطلقَ من فكرةِ وصايةِ الأوَّلِ على الأخيرِ، وإنَّما منَ الهدفِ النهائيِّ المشتركِ بينهما، والمُتمثِّلِ بتحقيقِ العدالةِ بينَ الخصومِ (Achieving Justice). على أن يكونَ ذلكَ كلَّهُ، مع التأكيدِ على أنَّ الهدفَ الذي يرمي إليهِ الخصومُ من ولوجِهم طريقَ التحكيمِ؛ هوَ السعيُ إلى العدالةِ على أُسسٍ قد تختلفُ عن المفهومِ التقليديِّ للعدالةِ أمامَ المحاكمِ؛ فالخصومُ عند اختيارهِم التحكيمَ يرتَضونَ مُقدَّماً بعدالةِ خاصَّةٍ، تُحدِّدُ ملامحَها الخصائصُ التي يتَّسِم بِها قضاءُ التحكيمِ( )، وهم يعلمونَ مُقدَّماً أنَّها تختلفُ عن عدالةِ القضاءِ العاديِّ للدولةِ، وبالتالي يجبُ ألا تكونَ علاقةُ قضاءِ الدولةِ بالتحكيمِ، سبباً في تعقيدِ القضايا بدلاً من حَلِّها؛ لأنَّ هذا يخالفُ الهدفَ الرئيسَ من وجودِ قضاءِ التحكيمِ.

الصفحةالموضوع
11 المُقَدِّمَة
الفَصْلُ الأَوَّلُ
ماهيَّةُ حُكْمِ التَّحْكِيمِ
38 المَبْحَثُ الأَوَّلُ: التَّعْريفُ بِحُكْمِ التَّحْكِيمِ وَطَبيعَتِهِ
40 المُطَّلِبُ الأَوَّلُ: التَّعْريفُ بِحُكْمِ التَّحْكِيمِ وَأَنْواعِهِ
41 اَلْفَرْعُ الأَوَّلُ: تَحْديدُ المَقْصودِ بِحُكْمِ التَّحْكِيمِ
49 الْفَرْعُ الثَّانِي: أَنْواعُ أَحْكامِ التَّحْكِيمِ
83 المطلَبُ الثاني: طبيعةُ حُكمِ التَحكيمِ
83 الفرع الأول: النظرية العقدية في التحكيم
88 الفرع الثاني: النظرية القضائية في التحكيم
91 الفرع الثالث: النظرية المختلطة في التحكيم
93 الفرع الرابع: النظرية المستقلة في التحكيم
95 الفرع الخامس: رأينا في الطبيعة القانونية (لحكم التحكيم) المؤثرة في تحديد صور الرقابة عليه
98 المَبْحثُ الثاني: شروطُ صِحَّةِ حُكمِ التَحكيمِ
98 المَطلبُ الأوَّل: الشُروطُ المَوضوعيَّةُ لِحُكمِ التَحكيمِ
99 الفَرعُ الأوَّلُ: مَوعِدُ صُدورِ حُكْمِ التَحكيمِ
109 الفرعُ الثاني: المُداوَلةُ كَشرطٍ لِصحَّة حُكْمِ التَحكيمِ
121 الفرعُ الثالث: إصدارُ الحُكمِ بالإجماعِ أو بأَغْلبِيَّةِ الآراءِ
124 الفرعُ الرابِعُ: أنْ يَنصَبَّ الحُكمُ على جَميعِ جَوانبِ النِزاعِ المُتَّفَقِ بِشأنِهِ على التَحكيمِ
128 الفرعُ الخامِس: أنْ يكونَ موضوعُ النزاعِ الذي صَدَرَ فيهِ الحُكمُ منَ المَسائِلِ التي يَجوزُ التَحكيمُ فيها
129 الفرعُ السادِسُ: يَجِبُ أنْ يَصدُرَ حُكْمَ التَحكيمِ وِفْقاً لِقَواعِدِ القانونِ الَّذي اختارَتْهُ الأطرافُ
131 الفرْعُ السابِعُ: أنْ يَتَضَمَّنَ الحُكْمُ مَنْطوقَهُ
134 الفرعُ الثامِنُ: يَجِبُ أنْ يكونَ حُكْمُ التَحكيمِ مُسَبَّباً
142 المَطلَبُ الثاني: الشُروطُ الشَكليَّةُ لِحُكْمِ التَحكيمِ
142 الفَرْعُ الأوَّلُ: الكِتابةُ
145 الفَرعُ الثاني: التَوقيعُ
147 الفَرْعُ الثالِث: بَياناتُ حُكْمِ التَحكيمِ
158 المَبْحثُ الثالِثُ: آثارُ حُكْمِ التَحكيمِ
158 المَطلَبُ الأوَّل: استنفاد ولايةِ هَيئةِ التَحكيمِ
160 الفَرعُ الأوَّل: مَبدأُ استنفاد ولايَةِ هَيئَةِ التَحكيمِ وطبيعةُ محلِّهِ
167 الفَرْعُ الثاني: الأَحكامُ المُشترَكَةُ للاستِثناءاتِ الواردَةِ على مَبدأِ الاستِنفادِ
177 الفرعُ الثالثُ: الأَحكامُ الخاصَّةُ بالاستِثناءاتِ الواردَةِ على مَبدأِ الاستِنفادِ
186 المَطلَبُ الثاني: حُجِّيَةُ الأمْرِ المَقضيِّ بِهِ
197 الفرعُ الأوَّل: الحُجية من تاريخ صُدورِ حُكْمِ التَحكيمِ
200 الفرعُ الثاني: طَبيعةُ حُجِّيَةِ حُكْمِ التَحكيمِ
206 الفرعُ الثالثُ: نِطاقُ حُجِّيةِ حُكمِ التَحكيمِ
214 المطلبُ الثالثُ: القوَّةُ الثُبوتِيَّةُ لِحُكْمِ التَحكيمِ
217 المَطلبُ الرابِعُ: القُوَّةُ التَنفيذيَّةُ لِحُكمِ التَحكيمِ
الفَصْلُ الثاني
الرّقابَةُ القَضائِيَّةُ المُباشِرَةُ على حُكمِ التَحكيمِ
"دَعْوى بُطلانِ أحكامِ التَحكيمِ"
226 المَبْحَثُ الأوَّل: ماهِيَّةُ دَعوى البُطلانِ الأصليِّةِ ضِدَّ حُكْمِ التَحكيمِ
226 المَطلَبُ الأوَّلُ: المَقصودُ بِدَعوى بُطلانِ حُكمِ التَحكيمِ وتَحديدُ طبَيعتِها
240 المَطلبُ الثاني: مَدى كِفايةِ دَعوى البُطلانِ كوَسيلةٍ وحيدةٍ لِلرقابَةِ القَضائِّيَةِ المُباشِرَةِ على أَحكامِ المُحَكِّمين
247 المَبْحَثُ الثاني: أسبابُ بُطلانِ حُكْمِ التَحكيمِ
254 المَطلبُ الأوَّلُ: أسبابُ بُطلانِ حُكمِ التَحكيمِ المُتَعّلِّقةُ بالمَصالحِ الخاصَّةِ بأطرافِ الخُصومَةِ التَحكيميَّةِ
255 الفرعُ الأوَّل: عَدَمُ وجودِ اتِّفاقِ تَحكيمٍ أو بُطلانُهُ أو سُقوطُهُ بانتهاءِ مُدَّتِهِ
297 الفَرعُ الثاني: فِقدانُ أو نَقْصُ أهليَّةِ أحَدِ طَرَفَيِ التَحكيمِ
304 الفَرعُ الثالثُ: إذا تَعَذَّر َعلى أحَدِ طَرَفَيِ التَحكيمِ إبداءُ دِفاعِهِ
313 الفَرْعُ الرابِعُ: استِبعادُ حُكْمِ التَحكيمِ تَطبيقَ القانونِ الَّذي اتَّفَقَ الأطرافُ على تَطبيقِهِ على موضوعِ النِزاعِ
329 الفَرْعُ الخامِسُ: تَشكيلُ هَيئَةِ التَحكيمِ على وجْهٍ مُخالِفٍ للقانون أو لاتِّفاقِ الطَرَفَيْنِ
338 الفَرْعُ السادِسُ: فَصْلُ حُكمِ التَحكيمِ في مَسائِلَ لا يَشمَلُها اتِّفاقُ التَحكيمِ أو تَجاوزُهُ لِحُدودِ هذا الاتِّفاق
345 الفَرعُ السابِع: بُطلانُ حُكْمِ التَحكيمِ على نَحوٍ أثَّرَ في مَضْمونِهِ أو بُطلانُ إجراءاتِ التَحكيمِ على نَحوٍ أثَّرَ في الحُكْمِ
385 المَطلَبُ الثاني: أَسبابُ البُطلانِ المُتعَلِّقةِ بالنِظامِ العامِّ
413 المَبحَثُ الثالثُ: إجراءاتُ دَعوى بُطلانِ حُكْمِ التَحكيمِ
413 المَطلَبُ الأوَّلُ: الصِفَةُ والمصلحة في رفْعِ دَعوى البُطلانِ
416 المَطلَبُ الثاني: مِيعادُ رَفْعِ دَعوى بُطلانِ حُكمِ التحكيمِ
421 المَطلَبُ الثالِثُ: المحكمة المُخْتَصَّةُ بِنَظَرِ دَعوى البُطلانِ ونطاقُ سُلطَتِها
427 المَطلَبُ الرابِع: تَمَسُّكُ مُدَّعي البُطلانِ بِسَبِبِ البُطلانِ أثناءَ خُصومَةِ التَحكيمِ
440 المَطْلَبُ الخامِسُ: أثَرُ التَنازِلِ عنْ دَعوى بُطْلانِ حُكمِ التَحكيمِ
441 المَطْلَبُ السادِسُ: أثَرُ بُطلانِ حُكْمِ التَحكيمِ
443 المَطْلَبُ السابِعُ: مَدى إِمكانِيَّةِ إعادَةِ الحُكْمِ التَحكيميِّ لِلهيئَةِ
الفَصْلُ الثالث
الرَقابَةُ القَضائِيَّةُ غيرُ المباشرةِ على حُكمِ التَحكيم
" تنفيذُ أحكامِ التَحكيم"
455 المبحثُ الأوَّل: تَنفيذُ أحكامِ التحكيمِ الداخليَّةِ
456 المَطلَبُ الأوَّل: ماهيَّةُ حُكمِ التحكيمِ القابلِ للتَنفيذِ الجبريِّ
457 المطلبُ الثاني: طلَبُ تَنفيذِ حُكمِ التحكيمِ الداخليِّ
458 الفرعُ الأوَّل: بياناتُ الطلَبِ ومرفقاتُهُ ورسومُهُ
459 الفرعُ الثاني: مِيعادُ تقديمِ هذا الطلَبِ
460 المَطلَبُ الثالث: أثَرُ رَفْعِ دعوى البُطلانِ على تَنفيذِ حُكمِ التحكيمِ
462 المطلبُ الرابع: الرَقابةُ القضائيَّةُ على حُكْمِ التَحكيمِ أثناءَ مرحلةِ التنفيذِ
466 المَبحثُ الثاني: الاعتِرافُ بأحكامِ التَحكيمِ الأَجنبيَّةِ وتنفيذِها
469 المَطلَبُ الأوَّل: تَحديدُ المَقصودِ بِحُكمِ التحكيمِ الأجنبيِّ
470 الفَرعُ الأوَّل: أنواعُ حُكمِ التَحكيمِ الأجنبيِّ القابلِ للتنفيذِ
474 الفَرعُ الثاني: معاييرُ وصفِ حُكمِ التحكيمِ بالأجنبيِّ
482 الفَرعُ الثالث: النتائجُ المترتِّبةُ على وصفِ حكمِ التحكيمِ بالأجنبيِّ
490 المَطلَبُ الثاني: شُروطُ وإجراءاتُ الاعتِرافِ بِحُكمِ التَحكيمِ الأجنَبيِّ وتَنفيذِه
491 الفرعُ الأوَّل: شُروطُ الاعتِرافِ بِحُكمِ التَحكيمِ الأجنبيِّ وتَنفيذِه في الأردنِّ
494 الفَرعُ الثاني: إِجْراءاتُ تَنْفيذِ حُكْمِ التَّحْكِيمِ الأَجْنَبيِّ بِمُوجِبِ قَانُونِ تَنْفيذِ الأَحْكامِ الأَجْنَبيَّةِ واتِّفاقيَّةِ نيويورك وَتَطْبيقاتِها فِي الاجْتِهادِ القَضائيِّ الأُرْدُنّيِّ
511 المَطْلبُ الثالث: موانِعُ الاعترافِ بِحُكمِ التَحكيمِ الأجنبيِّ وتنفيذِه
511 الفَرعُ الأوَّل: الموانعُ العامَّةُ في القوانينِ الوطنيَّةِ لتنفيذِ أحكامِ التحكيمِ الأجنبيَّة
522 الفَرعُ الثاني: موانعُ التنفيذِ وفقاً لاتفاقيَّةِ نيويورك
587 المَطلَبُ الرابع: طَبيعةُ الرقابةِ القَضائِيَّةِ أثناءَ طَلبِ الاعتِرافِ بِحُكمِ التَحكيمِ الأجنبيِّ وتَنفيذِه
599 المَبحَثُ الثالثُ: تَنفيذُ حُكْمِ التَحكيمِ الأجنَبيِّ الباطلِ وفقاً لاتِّفاقِيَّةِ نيويورك الخاصَّةِ بالاعترافِ بأَحكامِ التَحكيمِ الأجنبيَّةِ وتَنفيذِها لِسنَةِ 1958
603 المَطلَبُ الأوَّل: مَوقِفُ اتِّفاقيةِ نيويورك مِن مسألةِ إمكانيَّةِ تَنفيذِ أَحكامِ التَحكيمِ الباطِلةِ في دَولةِ مَقَّرِ التَحكيمِ
603 اَلفَرْعُ الأَوَّل: مَنْهَجُ اتِّفاقيَّةِ نيويورك الدّاعِمُ لِمَبدأِ الاعْتِرافِ بِأَحْكامِ التَّحْكيمِ الأَجنَبيَّةِ وَتَنْفيذِها
606 الفرعُ الثاني: تَفْسيرُ نُصوصِ الاتِّفاقيَّةِ ذَاتَ الصِّلَةِ بِمَسْأَلَةِ إِمكانيَّةِ تَنْفيذِ أَحْكامِ التَّحْكيمِ البَاطِلَةِ فِي دَوْلَةِ مَقَرِّ التَّحْكِيمِ
620 المَطلَبُ الثانيْ: التَّطْبِيقَاتُ القَضائيَّةُ الفَرَنْسيَّةُ والأَميرِكيَّةُ الخاصَّةُ بِتَنْفِيذِ أَحْكامِ التَّحْكِيمِ البَاطِلَةِ فِي دَوْلَةِ مَقَرِّ التَّحْكِيمِ
620 اَلْفَرْعُ الأَوَّلُ: مَوْقِفُ القَضاءِ الفَرَنْسيِّ مِنْ تَنْفيذِ أَحْكامِ التَّحْكِيمِ البَاطِلَةِ
636 الفَرْعُ الثاني: مَوقِفُ القَضاءِ الأمريكيِّ مِنْ تَنفيذِ أَحكامِ التَحكيمِ الباطِلة
652 الفَرْعُ الثالثُ: تَقديرُنا لِمَوقفِ القضاءَينِ، الفرنسيِّ والأمريكيِّ

كتب المؤلف

القانون     التحكيم والمنازعات حكم التحكيم
 
اضافة الكتاب الى سلة المشتريات
  الكمية:
حذف الكتاب:
   
   
 
 
انهاء التسوق
استمر بالتسوق
9789923153390 :ISBN
حكم التحكيم :الكتاب
أ.د مصلح احمد الطراونة :المولف
1.500 :الوزن
17×24 :الحجم
ابيض :الورق
656 :الصفحات
2026 :السنة
مجلد :النوع
$35 :السعر
 
:المقدمة

إذا كانتِ العدالةُ في الدولةِ المعاصرةِ تتميَّزُ بكونِها عدالةً عامَّةً (Public Justice) تمارسُها الدولةُ من خلالِ أجهزتِها القضائيَّةِ المُختَصَّةِ، فإنَّ اعتباراتٍ مُتعدِّدةً اقتضتْ أَلا تبقى أجهزةُ قضاءِ الدولةِ هيَ المُحتَكِرةَ الوحيدةَ لحَسْمِ المنازعاتِ بينَ الأشخاصِ في المجتمعِ، وإنَّما يشاركُها في ذلكَ، وفي نطاقِ مُنازعاتٍ مُعيَّنةٍ على الأقلِّ، قضاءُ التحكيمِ، بِحُسبانِهِ صورةً مُنظَّمةً قانوناً من صورِ القضاءِ الخاصِّ المُعترَفِ بهِ في جميعِ النُظُمِ القانونِيَّةِ في العالمِ وعلى اختلافِ مَشاربِها. ومنَ المعلومِ أنَّ قضاءَ التحكيمِ ـ كأسلوبٍ لحسمِ المنازعاتِ بينَ الأفرادِ في المجتمعِ ـ يقومُ على مُرتَكزَيْنِ أساسِيَّينِ هُما: أوَّلاً: إرادةُ الخصومِ (Party autonomy) وثانياً: إقرارُ وتنظيمُ المُشَرِّعِ لهذِهِ الإرادةِ (State Regulation). فالدولةُ تُجيزُ التحكيمَ؛ لتُغْني الأشخاصَ عن الالتجاءِ إلى القضاءِ، مع ما تَقتضيهِ هذهِ الإجازةُ من توفيرِ الوقتِ والجهدِ والنفقاتِ عليهِم. ولهذا نَجِدُ أنَّ المُشَرِّعَ يمنحُ الخصومَ الحقَّ في اختيارِ أشخاصِ المُحكِّمينَ أو في وضعِ القواعدِ التي يتمُّ على ضوئِها اختيارُهم، كما يمنحُهمْ الحقَّ في اختيارِ شكلِ ونوعِ الإجراءاتِ التي يَتوجَّبُ على المُحكِّمِ اتِّباعُها، وفيما إذا كانتْ مؤسَّسيةً (Institutional) أو حُرَّةً (Ad hoc)، والقانونِ الذي يجبُ عليهِ تطبيقُهُ، سواءٌ على الإجراءاتِ (Lex Arbitri) أو على الموضوعِ (Substantive Law)، واللغةِ أو اللغاتِ التي يجبُ أنْ تُسيَّرَ بها إجراءاتُ التحكيمِ، ومَقرِّ التحكيمِ (Seat of Arbitration) وغيرِها من المسائلِ. ونظراً لأهمِّيةِ التحكيمِ ودورِهِ في فَضِّ المنازعاتِ بينَ الأشخاصِ في المجتمعِ، فقد اعترفتْ جميعُ التشريعاتِ الوطنيَّةِ والدوليَّةِ بسُلطةِ هيئةِ التحكيمِ بالفصلِ بالمنازعاتِ، من خلالِ إصدارِها قراراتٍ نهائيَّةً، مُلزِمةً لأطرافِ النزاعِ، مُكتسِبةً حجِّيةَ الأمرِ المقضيِّ بهِ (Res judicata)، وقابلةً للتنفيذِ، عبْرَ الجهازِ القضائيِّ للدولةِ، المطلوبِ تنفيذُ حكمِ التحكيمِ فيها، شريطةَ صدورِ هذهِ الأحكامِ على النحوِ الذي رسمَهُ القانونُ. ولكنْ، في مقابلِ اعترافِ مُشرِّعِ الدولةِ بمبدأِ سُلطانِ الإرادةِ (Party Autonomy) في نشأةِ قضاءِ التحكيمِ وتنظيمِهِ، فإنَّهُ لم يغفَلْ عن حقيقةِ أنَّ تحقيقَ العدالةِ في المجتمعِ هي من أهمِّ وظائفِ الدولةِ؛ وبالتالي فإنَّ الدولةَ، أيَّةَ دولةٍ، عندَ إجازتِها لقضاءِ التحكيمِ، لا تتنازلُ عن أداءِ هذهِ الوظيفةِ، التي هيَ من أهمِّ مظاهرِ سيادتِها، بلْ تُرخِّصُ باستعمالِها من قِبَلِ أشخاصٍ، هُمْ محَلِّ ثقةِ المُتخاصمين؛ أولئكَ همُ المحَكِّمون. وتعودُ أسبابُ هذا الترخيصِ إلى ما يُحقِّقهُ قضاءُ التحكيمِ من مزايا، باعتبارِهِ قضاءً موازياً لقضاءِ الدولة، سواءٌ بالنسبةِ للدولةِ نفسِها أو بالنسبةِ للخصومِ. ففيما يتعلَّقُ بالمزايا التي يُحقِّقُها قضاءُ التحكيمِ للخصومِ، فهيَ تختلفُ من اتِّفاقِ تحكيمٍ إلى آخرَ، ولكنَّها في جُملتِها تتمثَّلُ في الرغبةِ في الحصولِ على حكمٍ يَحسِمُ النزاعَ بطريقةٍ أكثرَ سرعةً، وأكثرَ فعاليَّةً، وأقلَّ كلفةً وأخفَّ لدداً، بالإضافةِ إلى تمكينِ الخصومِ من اختيارِ قُضاتِهم، أيْ مُحَكِّميهم، من ذوي الخبرةِ والاختصاصِ في الفصلِ في المنازعةِ ذاتِ الشأنِ، وفي الرغبةِ بالمحافظةِ على السرّيةِ في المسألةِ المتنازعِ فيها، وبالإضافةِ إلى ذلكَ تزدادُ أهمِّيةُ التحكيمِ في المنازعاتِ ذاتِ العنصرِ الأجنبيِّ، من ناحيةِ تجنيبِ أطرافِ تلكَ المنازعاتِ اللجوءَ إلى قضاءٍ وطنيٍّ غريبٍ على أحدِ المُتقاضييْنِ، إنْ لم يكنْ غريباً عليهِما معاً، ولهذا يُعدُّ قضاءُ التحكيمِ في إطارِ العلاقاتِ التجاريَّةِ الدوليَّةِ قضاءً مُحايداً (Neutral) بكلِّ ما تَحمِلهُ الكلمةُ من معنى، ويُحَقِّقُ لهم ما يُسمّى بالحيادِ الإجرائيِّ (Procedural Neutrality)، والذي لا يمكنُ أن يتوفَّرَ بالقضاءِ الوطنيِّ المرتبطِ ارتباطاً وثيقاً في دولتِهِ سيادةً وقانوناً. وأمّا فيما يَتعلَّقُ بمصلحةِ الدولةِ في إجازةِ التحكيمِ فتَتمثَّلُ ـ في الغالبِ ـ بالرغبةِ في تَخفيفِ العبءِ الكبيرِ المُلقى على عاتقِ مَحاكِمِها؛ بسببِ تَكدُّسِ وتَنوُّعِ العديدِ من القضايا في أدراجِها وعلى مكاتبِ قُضاتِها؛ الأمرُ الذي يستدعي منَ المُشَرِّعِ الوطنيِّ تشجيعَ التحكيمِ ودعمَهُ؛ لتمكينِ القضاءِ الوطنيِّ من القيامِ بدورِهِ في القضاءِ في المنازعاتِ الأُخرى الأكثرَ حسّاسيَّةً، وغيرِ المُتَّفَقِ على التحكيمِ بشأنِها أو غيرِ القابلةِ للتحكيمِ أصلاً، كالقضايا الجزائيَّةِ، وفي عدَمِ قُدرةِ القضاءِ الوطنيِّ على الفصلِ في القضايا المعروضةِ عليهِ بِشَكلٍ ناجزٍ، وفي رغبةِ الدولةِ وسَعْيِها لتحسينِ صورتِها لدى المتعاقدينَ الأجانبِ، وبالذاتِ المستثمرينَ، الذينَ قد لا يطمئنّونَ إلى استثماراتِهم إذا وَجدوا أنَّ الدولةَ المُضيِّفةَ للاستثمارِ، لا تُوفِّرُ لهم الضماناتِ الإجرائيَّةَ لحمايةِ استثماراتِهم. ولعلَّ إجازةَ الدولةِ للتحكيمِ وتوفيرَ تنظيمٍ قانونيٍّ يحترمُ إرادةَ الأطرافِ؛ يُعدُّ من أهمِّ تلكَ الضماناتِ، سواءٌ بخصوصِ المنازعاتِ التي تنشأُ بينَ المستثمرينَ وغيرِهِم منَ المتعاقدينَ، أو تلكَ التي تنشأُ بينَهم وبينَ الدولةِ؛ أو بينَهم وبينَ الأشخاصِ التابعينَ للدولةِ، هذا بالإضافةِ إلى أنَّ قضاءَ التحكيمِ أصبحَ في الوقتِ الحاضرِ صناعةً أو استثماراً يَدُرُّ دخلاً وفيراً على الدولةِ التي تَحتضِنُه؛ لذلكَ كلِّه فإنَّ من مصلحةِ الدولةِ أن يكونَ لديها نظامٌ قانونيٌّ صديقٌ وداعمٌ للتحكيمِ، لإغراءِ أطرافِ الاتِّفاقِ على التحكيمِ باختيارِها مقرّاً للتحكيمِ (Seat of arbitration). وهذا ما نلمَسُهُ بشكلٍ واضحٍ في أحكامِ القضاءِ في العديدِ من الدولِ، والتي تُبرِّرُ تعاطيها المَرِنَ والمُنحازَ نحوَ التحكيمِ، بالمحافظةِ على مكانةِ الدولةِ كمقرٍّ للتَحكيم. غيرَ أنَّ الدولةَ الحديثةَ، لم تقِفْ عندَ إقرارِها لإرادةِ الخصومِ باللجوءِ إلى التحكيمِ، وإنَّما حرصت ـ مقابلَ تنازُلِها عن الاستئثارِ المُطلقِ بالوظيفةِ القضائيَّةِ؛ والترخيصِ باستعمالِها من قبَلِ أشخاصٍ عاديِّين ـ على كفالةِ تحقيقِ الضماناتِ الأساسيَّةِ (Due Process) التي يُوفِّرها قضاءُ الدولةِ من خلالِ قضاءِ التحكيمِ، وذلكَ عن طريقِ إخضاعِ أحكامِ المُحكَّمينَ إلى رقابةِ قضاءِ الدولةِ؛ حتّى لا ينحرفَ قضاءُ التحكيمِ عن أداءِ وظيفتِهِ في تحقيقِ العدالةِ، وحتّى لا تُعتبرَ الدولةُ بالتالي مُقصِّرةً عن القيامِ بوظيفتِها القَضائِيَّةِ أمامَ شعبِها وأمامَ العالمِ، وذلكَ لِتَمَتُّعِ التحكيمِ بعدَدٍ من الضماناتِ والمزايا كحيدةِ المُحَكِّمينَ، وقَطعيَّةِ أحكامِ المُحكِّمينَ، بالإضافةِ لإمكانيَّةِ تنفيذِ هذهِ الأحكامِ على المستوييْنِ الوطنيِّ والدوليِّ، وعواملَ أخرى مثلَ المرونةِ، والسريَّةِ، والسرعةِ، والفاعليَّة،ِ بالإضافةِ إلى استقلاليَّةِ الأطرافِ، والتي تُعَدُّ من أبرزِ العواملِ الدافعةِ لاختيارِ التحكيمِ، كونَها تمنحُ الأطرافَ سلطةً واسعةً في تصميمِ شكلِ وإجراءاتِ العمليَّةِ التَحكيميَّةِ، وفقًا لنوعِ وطبيعةِ النزاعِ القائمِ بينَ الأطرافِ. ولهذا يُصَوِّرُ البعضُ ـ بِحَقٍّ ـ علاقةَ قضاءِ الدولةِ بقضاءِ التحكيمِ، كعلاقةِ من يُفوِّضُ ـ على مَضضٍ ـ جزءاً من صلاحياتِهِ إلى شخصٍ آخرَ حينَ يقولُ: "إلا أَّن الدولةَ تشعرُ بمسؤوليَّةٍ تجاهَ التحكيمِ تُشبهُ ـ في رأينا ـ مسؤوليَّةَ من فَوَّضَ جزءاً من سُلطتِهِ، ولكنَّهُ يخشى مَغَبَّةَ ذلكَ، ومِنْ ثَمَّ فهيَ، أي الدولةُ، تَحرِصُ على إخضاعِ التحكيمِ لرقابـةِ وإشرافِ قَضائِها، لتَدعمَ ثقةَ المتقاضينَ في التحكيمِ، ومنْ ثَمَّ تدعمُ فاعليَّةَ التحكيـمِ". وعليهِ فإنَّ الوظيفةَ الأبرزَ لأيِّ قانونِ تحكيمٍ، سواءٌ أكانَ داخليّاً أم دوليّاً، تتمثَّلُ في تنظيمِ العلاقةِ بين القضاءِ العاديِّ للدولةِ وقضاءِ التحكيمِ. ونؤكِّدُ ابتداءً أنَّ دورَ القانونِ في تنظيمِ علاقةِ قضاءِ الدولةِ بقضاءِ التحكيمِ لا ينحصرُ في هذهِ الزاويةِ فقط، أي الرقابةِ، فقضاءُ التحكيمِ لم يَعُدْ في الوقتِ الحاضرِ مُجرَّدَ طريقٍ استثنائيٍّ لِحَسْمِ المنازعاتِ بين الأفرادِ في المجتمعِ، تنظرُ إليهِ الدولةُ بعينِ الريبةِ والشكِّ، أو باعتبارِهِ خصماً أو مُنافساً لقضائِها، بلْ أصبحَ قضاءً أصيلاً، موازياً ومُعاوناً لقضاءِ الدولةِ، بلْ أنَّهُ يكادُ يكونُ القضاءَ الأصيلَ في المنازعاتِ التجاريَّةِ الدوليَّةِ، وفي بعضِ جوانبِ المنازعاتِ الداخليَّةِ، كالمنازعاتِ المُتعلِّقةِ بعقودِ الإنشاءاتِ (Construction Contracts)، حتّى أنَّ التحكيمَ قدِ امتدَّ في الآونةِ الأخيرةِ ليصبحَ من ضمنِ أهمِّ الوسائلِ المُتَّبعةِ في فضِّ المنازعاتِ الإداريَّة، والتي كانَ فَضُّ منازعاتِها حصراً بيدِ قضاءِ الدولةِ. وعليهِ فإنَّ علاقةَ قضاءِ الدولةِ بقضاءِ التحكيمِ، يجبُ أَلا تنطلقَ من فكرةِ وصايةِ الأوَّلِ على الأخيرِ، وإنَّما منَ الهدفِ النهائيِّ المشتركِ بينهما، والمُتمثِّلِ بتحقيقِ العدالةِ بينَ الخصومِ (Achieving Justice). على أن يكونَ ذلكَ كلَّهُ، مع التأكيدِ على أنَّ الهدفَ الذي يرمي إليهِ الخصومُ من ولوجِهم طريقَ التحكيمِ؛ هوَ السعيُ إلى العدالةِ على أُسسٍ قد تختلفُ عن المفهومِ التقليديِّ للعدالةِ أمامَ المحاكمِ؛ فالخصومُ عند اختيارهِم التحكيمَ يرتَضونَ مُقدَّماً بعدالةِ خاصَّةٍ، تُحدِّدُ ملامحَها الخصائصُ التي يتَّسِم بِها قضاءُ التحكيمِ( )، وهم يعلمونَ مُقدَّماً أنَّها تختلفُ عن عدالةِ القضاءِ العاديِّ للدولةِ، وبالتالي يجبُ ألا تكونَ علاقةُ قضاءِ الدولةِ بالتحكيمِ، سبباً في تعقيدِ القضايا بدلاً من حَلِّها؛ لأنَّ هذا يخالفُ الهدفَ الرئيسَ من وجودِ قضاءِ التحكيمِ.

 
:الفهرس
 
 
:كتب المؤلف